وكفي بالله شهيدا وبرسوله جامعا ورقيبا. (١)
القول بأن أول جمع للقرآن كان في زمن أبي بكر لا يصح
هناك بعض أسباب تقف دون قبول الروايات التي تزعم أن القرآن جمع أول مرة في زمن أبي بكر ، من هذه الأسباب :
__________________
(١) هذا التصوير لكيفية جمع القرآن في زمن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هو أسلم تصوير يتجاوز بعض الإشكالات ، وهنا ملاحظة مهمة جدا يجب التنبيه عليها وهي أنه عندما أقول إن جمع القرآن كان في زمن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لا أقصد به أن تدوين القرآن بتمامه وكماله فرغ منه في بداية حياة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقبل أن يتم نزول كل القرآن من السماء! وإنما أقصد أن القرآن رتبت آياته النازلة ونسقت سورة النازلة الواحدة تلو الأخرى كلا على حدة ، فعرف أول السورة من آخرها على وجه منسق منظم وإن لم يتم نزول القرآن بعد ، فيسمى هذا التنسيق والترتيب جمع للقرآن ومصحف مجموع ، فالجمع المقصود منه هو لملمة الشتات في كيان واحد جمعي نضاف إليه أجزاؤه الأخرى يوما بعد يوم في ترتيب وتنسيق إلى أن يكمل في آخر حياته صلى الله عليه وآله وسلم ، وبعبارة واضحة إن عدم نزول كل القرآن من السماء لا يناقض تسمية هذا الكيان المرتب والمنسق بأنه جمع للقرآن ومصحف مجموع ، وهذا خلاف ما يقول أهل السنة من أن القرآن إلى وفاته صلى الله عليه وآله وسلم كان مبعثرا هنا وهناك ، بعضه في صدور الرجال وبعضه في اللخاف وبعضه في الرقاع وبعضه دون على الحجارة وهكذا ، ولو قالوا : إن القرآن كان مرتبا منسقا ولكن آخر آيات منه لم تدون في زمن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لاتفقنا معهم على أن القرآن جمع في زمن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، واقتصر الخلاف على أن إلحاق كل الآيات في هذا الجمع تم في حياة رسول الله صلى الله عليه وآله سلم أم أن بعضها ألحقت فيما بعد.