عمّم تصريحا بعموم الحكم وتأكيدا لأمر القبلة ، وتحضيضا للأمّة على المتابعة ، فقال (وَحَيْثُ ما كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ) ولا ريب في اتّحاد المراد بالشطر في الخطابين وأنّ الظاهر العموم وشمول القريب والبعيد ، وأنه يصدق على المشاهد للعين المتوجّه إليها أنه مولّ وجهه شطرها ونحوها ، فلا يكون معنى الشطر ما يخصّ البعيد ، بل يعمّ القريب أيضا ، فلا يلزم كون قبلة البعيد الجهة دون العين فليتأمل فيه.
ثمّ لا يخفى تعاضد هذه الأبحاث ، وتقوّى بعضها ببعض ، فلا تغفل.
واعلم أنّه لا خلاف أنّ هذا الأمر على التحتّم دون التخيير ، وما في الكنز من أنه قيل بأنه على التخيير أظنّه وهما نعم ذكر الراونديّ عن الربيع أنّ التوجه الى البيت المقدس قبل نسخه كان فرضا على التخيير وهو أيضا وهم عن الربيع ، وعن ابن عباس هو أوّل نسخ وقع في القرآن ، وهو يؤيّد ما قدّمنا أنه بعد الهجرة بسبعة أشهر لا سبعة عشر أو ستّة عشر كما هو المشهور عند الجمهور ، أو تسعة عشر كما هو قول ابن بابويه.
قيل هو نسخ للسنّة بالكتاب ، لأنّه ليس في القرآن أمر بالتوجّه إلى الصخرة وعن قتادة نسخت هذه الآية ما قبلها ، وهو غير ظاهر ، وقيل انّها نسخت قوله (فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ) وهو وهم ويأتي أنه ليس بمنسوخ.
ومن الأقوال النادرة القول بأنه يجب التوجّه الى الميزاب وقصده ، وهو باطل على الإطلاق ، لأنه خلاف القرآن والإجماع ، وفي المجمع وذكر أبو إسحاق الثعلبي (١) عن ابن عباس أنّه قال : البيت كلّه قبلة وقبلة البيت كلّه الباب ، والبيت قبلة أهل المسجد ، والمسجد قبلة أهل الحرم ، والحرم قبلة أهل الأرض ، وهذا موافق لما قاله أصحابنا أنّ الحرم قبلة من نأى عن الحرم من أهل الآفاق انتهى.
كون الباب قبلة البيت كلّه غير مطابق لما رأيت من كلام أصحابنا ، بل للأدلّة أيضا ، والمشهور أنه يستقبل أي جدرانه شاء وفي المعتبر وهو اتّفاق العلماء وقريب منه
__________________
(١) المجمع ج ١ ص ٢٢٧