وهما مع ما في سندهما في غاية الإجمال ، فالظاهر الاعتماد على ما هو المشهور المعروف فيما بين الناس بحسب ما يتداولون في توجّهاتهم إلى الجهات من النجوم ، والمشرق والمغرب ونحوها ، من قرائن الأحوال ، كما هو ظاهر كثير من الأخبار أيضا مثل ما بين المشرق والمغرب قبلة (١).
ويجزى التحرّي أبدا ما لم يعلم أين وجه القبلة وأنّه ينحرف إلى القبلة في الصلاة ما لم يستدبرها ونحوها وأمّا الاعتماد على المعلوم من قوانين الهيئة ، فلا بحث في جوازه ، ولو ظنّ أنّ ظاهره الانتهاء إلى قول بعض الحكماء الذي لا يعلم إسلامه فضلا عن عدالته وعدم إفادتها العلم بالعين ولو قيل بالجزم ، وأما وجوب الرجوع إليها على عامّة المكلفين أكثر ممّا قدّمنا ، ومعرفة الدائرة الهنديّة ونحوه ، فلا دليل عليه وينفيه الأصل ، ولزوم الحرج ، وظاهر بعض الأخبار ، فلا يبعد كون ذلك إجماعا فإنّه يبعد ذهاب أحد إلى ذلك مع عدم ذكره قولا في شيء من الكتب المشهورة والله أعلم.
(وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ) قيل هم اليهود عن السدّي ، ويحتمل عموم النصارى وقيل : هم أحبار اليهود وعلماء النصارى ، لأنّهم جماعة قليلة يجوز على مثلهم إظهار خلاف ما يبطنون ، وأما الجمع الكثير فلا ، للعادة باختلاف الدواعي (لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ) أي تحويل القبلة أو التوجّه إلى الكعبة (الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ) قيل لعلمهم جملة أن كلّ شريعة لا بدّ لها من قبلة وتفصيلا لتضمّن كتبهم أنه صلىاللهعليهوآله يصلّى إلى القبلتين ، لكنّهم لا يعترفون لشدّة عنادهم (وَمَا اللهُ بِغافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ) بالياء وعيد لأهل الكتاب ، وبالتاء وعد لهذه الأمّة ، أو وعد ووعيد مطلقا تأمّل.
الرابع (وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ) (البقرة : ١١٥)
أي مجموع ما في جهة الشرق والغرب من الأرض والبلاد لله هو مالكها ، ففي أيّ مكان فعلتم التولية أي تولية وجوهكم شطر القبلة بدليل قوله (فَوَلِّ وَجْهَكَ
__________________
(١) انظر الوسائل الباب ١٠ من أبواب القبلة وخلال سائر أبوابها وجامع أحاديث الشيعة الباب ٨ من أبواب القبلة وخلال سائر أبوابها ومن طرق أهل السنة سنن البيهقي ج ٦ ص ٩ وخلال سائر الصفحات.