الاية ينافي ما تقدّم عن القاضي فتأمل فيه ، ويمكن الاتّحاد ، ولكنّه خلاف الظاهر وقول القاضي أنسب بمقصود الشرع ، ولهذا أكّده خصوصا وعموما كرّة بعد أخرى فقال :
(يا بَنِي آدَمَ لا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطانُ) لا يوقعنّكم في فتنة وفضيحة بأن يدعوكم أن لا تتذكّروا بآيات الله ولا تتورّعوا عن القبائح ، فيخرجكم من محالّ فضل الله ومواضع رحمته ، فيسلبكم نعمة الله وستره عليكم ، ويحرمكم الجنّة ، أو لا يضلّنّكم عن الدين ولا يصرفنّكم عن الحقّ بأن يدعوكم إلى المعاصي الّتي تميل إليها نفوسكم فيحرمكم الجنّة ، أو لا يقنطنكم بأن لا تدخلوا الجنّة.
(كَما أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ) حال كونه (يَنْزِعُ عَنْهُما لِباسَهُما) أو حال من أبويكم وإسناد النزع إليه للتسبّب فيه (لِيُرِيَهُما سَوْآتِهِما) يري كلّا منهما سوأته وسوأة الآخر ، قيل ليرى كلّ واحد سوءة الآخر ، وفيه نظر ، وفي ذلك إشارة إلى أنّ الشيطان لكمال عداوته كان قاصدا ذلك لمزيد الإهانة وفرط الفضيحة فيه ، فيمكن أن يكون إشارة إلى أنّ انكشاف العورة وإن كان فيما بين الزوجين لا يخلو من فضيحة وقبح فليتأمّل فيه.
(إِنَّهُ يَراكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ) جنوده من الشياطين ، عطف على مؤكّد هو وضمير «أنه» للشأن قصدا للتفخيم المناسب للمقام ، ويمكن كونه لإبليس ، وقرئ «قبيله» بالنصب (١) فهو إمّا عطف على اسم إنّ على أنه لإبليس ، أو يكون الواو بمعنى مع.
(مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ) وذلك تعليل للنهي وتحذير من فتنته بأنه بمنزلة العدوّ المراجى يكيدكم ويغتالكم من حيث لا تشعرون ، فهو شديد المؤنة ، فالحذر كلّ الحذر منه.
في الكشاف : فيه دليل بين أنّ الجنّ لا يرون ، وأنّ إظهارهم أنفسهم ليس في استطاعتهم ، وأنّ دعوى رؤيتهم زور ومخرفة ، وفيه نظر ، وعن ابن عباس (٢) أنّ الله
__________________
(١) انظر شواذ القرآن ص ٤٣ وروح المعاني ج ٨ ص ٩١ عن اليزيدي.
(٢) المجمع ج ٣ ص ٤٠٩.