يقدّر غير الذكر ، لأنه هو الممنوع فكيف يجعل مفعولا له؟ وفيه نظر لجواز أن يقدّر من النّاس أو من قاصديه أو من ما وضعت له ، ونحو ذلك كما لا يخفى ، فلعلّه لا يريد أزيد من ذلك.
أما ما قيل من أنّ في جعل مساجد الله ممنوعا كما وقع في الاحتمال الأوّل مسامحة ، فيتوجّه القول بحذف المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه ، فكان الأصل متردّدى مساجد الله منها.
ففيه نظر لانّ المانع قد حال بينه وبين أن يذكر فيها ، وأيضا تقدير متردّدي وبناء يذكر للمفعول غير مناسب ، كما لا يخفى على الذوق السليم.
وفي مجمع البيان احتمال كون (أَنْ يُذْكَرَ) بدلا عن (مَساجِدَ اللهِ) بدل اشتمال كأنه يقول ليس أحد أظلم ممّن منع أن يذكر في مساجد الله اسمه ، وهو ظاهر من اشتمال الظرف على المظروف مثل قوله (يَسْئَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرامِ قِتالٍ فِيهِ) فكأنّ (يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ) يقوم مقام مفعولين ، أو يمنع لزوم مفعولين لمنع مطلقا فتأمل.
ثمّ قد يحمل إنكار وجود أظلم على المبالغة كما قد يشعر به كلام الكشاف حيث قال : هو حكم عامّ لجنس مساجد الله ، وأنّ مانعها من ذكر الله مفرط في الظلم وكأنّه غير لازم ، وقد يفرق بين الثاني وبين الأوّل والثالث باحتمالهما ذلك لإطلاقهما وفيه أنّ المنع من الذكر لا يكون إلا كراهة له ، فتأمل.
وعموم الحكم بالنسبة إلى أيّ مسجد كان ، وأي ذكر قد يتأمل فيه أيضا قال الكشاف : فان قلت : فكيف قيل مساجد الله ، وإنّما وقع المنع والتخريب على مسجد واحد؟ قلت : لا بأس بأن يجيء الحكم عاما وإن كان السبب خاصّا كما تقول لمن آذى صالحا واحدا «ومن أظلم ممّن آذى الصالحين» وكما قال تعالى (وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ) والمنزول فيه الأخنس بن شريق انتهى (١).
__________________
(١) الكشاف ج ١ ص ١٧٩.