وربما احتمل جمع المساجد هنا أن يكون إشارة إلى أنّ المنع وإن كان من واحد ، إلّا أنه كمنع الجميع كما في قتل النفس ، فيمكن اختصاصه بمثل المسجد الحرام ، أو بيت المقدس. لكن العموم أنسب بإطلاق اللفظ والله أعلم.
ويقرب منه الذكر ولا يبعد أن يراد به مطلق العبادة ، وينبغي أن يراد بمن منع العموم أيضا لأولئك المانعين بأعيانهم.
(وَسَعى) أي عمل (فِي خَرابِها) الكشاف : بانقطاع الذكر أو بتخريب البنيان وكأنه أراد به تفسير خرابها فالتخريب مصدر مجهول مضاف إلى المفعول ، قيل ونحوه قول القاضي بالهدم أو التعطيل فتأمل.
أما كونه تفسيرا للسعي في خرابها فموضع نظر ، لأنه أعمّ من ذلك ، اللهمّ إلّا أن يراد أو نحوهما ، فإن «في» إن كان للسببيّة فهو كلّ ما يعمل لخرابها ، وإن كان بمعنى إلى فكلّ ما ينتهى إلى خرابها ، أو كل ما يقصد به انتهاؤه إلى ذلك ، أما كونه للظرفية فبعده ممّا لا يخفى ، والخراب ضدّ العمران لم يأت بمعنى التخريب ، والمرجع في خرابها إلى العرف.
والآية تدلّ على تحريم السعي فيه ونفس تخريبها أظهر أفراده تحريما وقيل إنّه يفهم بطريق أولى ، وقد يجعل قوله (وَسَعى فِي خَرابِها) كالتعميم بعد التخصيص أو إيرادا لما تقدّم بعنوان آخر توضيحا لقبحه وبيانا لشدّته ومبالغة في التفضيح والتشنيع ، فيفيد أنّ المنع من الذكر سعى في خرابها.
وقد يشعر بأنّ في المنع تخريبا وفي الذكر تعميرا ، بل بأنّ المنع تخريب والذكر تعمير ، وفي بعض الروايات ما قد يؤيّده ، ولهذا قيل بوجوب شغلها بالذكر على الكفاية ، وإلّا لزم التعطيل ، قال في الكنز : فكلّ ما يعدّ تخريبا فهو حرام ، فمنه هدم جدرانها وأخذ فرشها وإطفاء السراج والإضواء فيها ، وشغلها بما ينافي العبادة وغير ذلك.
(أُولئِكَ) المانعون (ما كانَ) ينبغي لهم أن يدخلوا مساجد الله إلّا خائفين على حال التهيّب وارتعاد الفرائص من المؤمنين أن يبطشوا بهم ، فضلا عن أن