لا يهمّه أمر ولا يعنيه شأن ، فأمر بان يختار على الهجوع التّهجّد وعلى التزمّل التشمّر للعبادة والمجاهدة في الله ، لا جرم أنّ رسول الله صلىاللهعليهوآله قد تشمّر لذلك وطائفة من أصحابه حقّ التشمّر ، وأقبلوا على إحياء لياليهم ، ورفضوا الرّقاد والدّعة وجاهدوا فيه حتّى انتفخت أقدامهم واصفرّت ألوانهم ، وترامي أمرهم إلى حدّ رحمهم ربّهم ، فخفّف عنهم بما يأتي في آخر السّورة.
وقيل : كان (١) متزمّلا في مرط لعائشة يصلّي ، فهو على هذا ليس بتهجين ، بل هو ثناء وتحسين لحاله الّتي كان عليها.
وقيل : دخل على خديجة وقد جئت فرقا أوّل ما أتاه جبرئيل ، وبوادره ترعد فقال : زمّلوني ، فبينا هو على ذلك إذ ناداه جبرئيل فقال : يا أيّها المزمّل.
وعن عكرمة أنّ المعنى : يا أيّها الذي زمّل أمرا عظيما أي حمّله ، والزمل الحمل ، وازدمله احتمله ، وقرئ «قم اللّيل» بضمّ الميم وفتحها فقيل : الغرض بهذه الحركة التبلّغ بها هربا من التقاء السّاكنين ، فبأيّ الحركات تحرّك فقد وقع الغرض (٢).
(نِصْفَهُ) لا يبعد أن يكون بدلا من اللّيل المستثنى منه (قَلِيلاً) أي ما بقي بعد الاستثناء ، ورجوع ضمير «منه» و «عليه» إلى قيام ذلك أو إلى (نِصْفَهُ) بتقدير واضح ، والمعنى أيضا كذلك ، لا يقال فحينئذ يلغو الاستثناء ، فإنّه ينبغي حينئذ أن يقال : قم نصف اللّيل أو قم اللّيل نصفه ، إذ يمكن أن يكون إشارة إلى نوع توسعة وأنّ النّصف تقريب كما هو أوفق بما تقدّم من قوله سبحانه (إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ) نصبا وجرّا.
على أنّه لا يبعد أن يكون المراد التوسعة والتخيير بين النصف والأقلّ والأكثر
__________________
(١) هذا أيضا نقله في الكشاف واعترض عليه الأكثرون أن السورة من أوائل ما نزلت بمكة فلا يستقيم ذلك!!
(٢) الكشاف ج ٤ ص ٦٣٦.