وما يقال من أنّ في الآية إيماء إلى العلّة ، وهي موجودة في محلّ النزاع فان قوله سبحانه (ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ) جرى مجرى التعليل لما قبله ، الذي من جملته ترك البيع ، ولا شبهة في مشاركة سائر العقود البيع في ذلك ، فيشاركه في التّحريم ، وتخصيص البيع بالذكر لأنّ فعله كان أكثريا لأنّهم كانوا يهبطون من قراهم وبواديهم وينصبّون إلى المصر من كلّ أوب لأجل البيع والشّراء.
أو أنّ ظاهر الآية وجوب السّعي بعد النّداء على الفور ، وإن لم يكن ذلك من نفس الأمر ، لأن الأمر بترك البيع قرينة إرادة المسارعة ، فيكون كلّ ما شأنه أن يكون منافيا له منجرّا إلى التراخي عنه مأمورا بتركه ، فيكون محرّما فموضع نظر لا يخفى.
وقول الشهيد أنّ الأمر بالشيء يستلزم النهي عن ضدّه ، لا يفيد الإطلاق وأمّا ما أشار إليه بقوله لو حملنا البيع على المعاوضة المطلقة الذي هو معناه الأصليّ كان مستفادا من الآية تحريم غيره أيضا فبعيد لأنّه خلاف المعنى الشرعيّ هذا.
وأمّا الانعقاد فعليه أكثر المتأخّرين لعموم (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) و (إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ) وعدم كون النّهي في المعاملات دالا على الفساد ، وأكثر المتقدّمين على عدمه لكون النّهي دالا على الفساد كما قد يشعر به قوله تعالى (وَأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا).
وقال بعض مشايخنا سلّمهم الله (١) : لا يبعد عدم الانعقاد وإن لم يكن النّهي مطلقا دالا على الفساد ، ليتمّ المطلوب ، والترغيب إلى الصّلاة ، ولأنّ ما يدلّ على انعقاده هو إباحته ، فمع رفعها لا ينعقد ، مؤيّدا بالأصل من عدم الانتقال ، وليس كون العقد الحرام الذي لا يرضى الله به دليلا وموجبا لذلك بظاهر فليتأمّل فيه.
وظاهر التعليق ألا يحرم بمجرّد زوال الشمس [بدون الأذان] وصرّح في المنتهى أنّه مذهب علمائنا أجمع وأكثر أهل العلم خلافا لمالك وأحمد ، فذهاب الشهيد الثاني في شرح الشرائع إلى ما ذهبا غريب.
__________________
(١) انظر زبدة البيان ص ١١٦ ط المرتضوي.