حكمتك ووجوب طاعتك واجتناب معصيتك ، تعريضا إياهم للثواب بدلا من العقاب ولذلك وصل به قوله (فَقِنا عَذابَ النَّارِ).
فالفاء للدلالة على أنّ علمهم بما لأجله خلقت السموات والأرض حملهم على الاستعاذة ويشعر بأنّ المكلف بما تقدم له من العلم والايمان بأنه لم يفعل عبثا وما استلزمه حتى أدّاه إلى الاستعاذة ، أهل للطلب والمغفرة والله أعلم.
وفي الآية دلالة على أنّ الكفر والضلال والقبائح ليست خلقا لله تعالى ، لأنها باطلة بلا خلاف ، وقد نفى الله سبحانه ذلك بحكايته عن اولى الألباب الّذين رضي أقوالهم ، فيجب بذلك القطع على أنّ القبائح غير مضافة إليه سبحانه وتعالى عمّا يقول الظالمون علوا كبيرا.
وفيها إشارة إلى أنّ العلم بوجود فائدة يدلّ على عودها إلى الخلق ، وذلك يدلّ على استحقاق العبادة وحسن التكليف وكونه لازما واستحقاق الثواب على الطاعة والعقاب على العصيان ، وأنّ له المغفرة والعفو على جهة التفضّل ، وأنه لا قبح فيه ، وهو قادر عليه مختار فيه ، وكان ذلك يستلزم كون الحسن والقبح عقليين.
ولا يخفى ما في ذلك أيضا من الدلالة على عظم شأن علم أصول الدين وفضل أهله وشرف التفكّر والتدبّر في الخلق ، والاستدلال والاعتبار به ، حيث جعل كذكر الله من لوازم العقل.
عنه صلىاللهعليهوآله : لا عبادة كالتفكّر (١) وعنه صلىاللهعليهوآله أيضا : بينما رجل مستلق على فراشه إذ رفع رأسه فنظر إلى النجوم وإلى السماء فقال : أشهد ان لك ربا وخالقا اللهمّ اغفر لي فنظر الله إليه فغفر له.
__________________
(١) انظر اخبار فضيلة التفكر في الباب ٥ من أبواب جهاد النفس في الوسائل ج ١١ ص ١٥٣ وص ١٥٤ ومستدرك الوسائل ج ٢ ص ٢٨١ وص ٢٨٢ والدر المنثور ج ٢ ص ١١٠ وص ١١١.