وروى الثعلبيّ (١) بإسناده عن محمّد بن الحنفيّة عن عليّ بن أبي طالب أنّ رسول الله صلىاللهعليهوآله كان إذا قام من الليل سوّك ثمّ ينظر إلى السماء ثمّ يقول (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ») إلى قوله (فَقِنا عَذابَ النَّارِ).
(رَبَّنا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ) أي فقد أبلغت في إخزائه ، وهو نظير قوله (فَقَدْ فازَ) ومن كلامهم نحو من سبق فلانا فقد سبق ، والجملة استئناف في مقام التعليل للطلب المتقدّم على جهة التأكيد والإلحاح فيه بتهويل المستعاذ منه وإظهار شدّة الخوف والعجز عن احتمال ذلك تعرضا لرحمته الواسعة ، أو على جهة الاستشفاع بسعة رحمته ووفور كرمه لقبول ما تقدّم من معرفة الله تعالى والايمان به وتنزيهه عمّا لا يليق به ، والدعاء له والاستعاذة به ، فلا يبلغ في إخزائه الغاية بل يدركه بالعناية الكاملة الّتي يقبل بها القليل ويعطي الجزيل.
فكأنّ ذلك بالنظر إلى مزيد عنايته باثابة خلقه وتعلّق إرادته بتعريضهم لثوابه بدلا عن عقابه ، يناسب أن لا يكون بالنسبة إلى أهل معرفته والمتعوّذين بجلال رحمته ، بل إنّما يناسب المستغرقين في ظلم نفوسهم بجهل جلاله والتمرّد عن كبرياء سلطانه فلذلك قال (وَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصارٍ)
في الكشاف اللام إشارة إلى من يدخل النار وإعلام بأن من يدخل النار فلا ناصر له بشفاعة ولا غيرها ، وكأنّ ذلك بالنظر إلى أنّ من لم يخلد فيها كأنّه لم يبلغ في إخزائه الغاية ، وإن كان الخزي حاصلا في الحالين ، وقيل : الخزي إنّما هو بالخلود في النار.
وفي تفسير القاضي (٢) : أراد بهم المدخلين ، ووضع المظهر مقام المضمر للدلالة على أنّ ظلمهم تسبّب لإدخالهم النار ؛ وانقطاع النصرة عنهم في الخلاص ، ولا يلزم من نفي النصرة نفي الشفاعة لأن النصرة دفع بقهر وعلى هذا ينبغي أن يحمل إبلاغ الخزي على المبالغة والشدّة بالنسبة إلى الخزي بغير دخول النار.
__________________
(١) المجمع ج ١ ص ٥٥٤.
(٢) البيضاوي ٢ / ٦١.