وهذا أيضا أنسب ببقيّة الآية خصوصا على إرادة ماء المطر : كما هو الظاهر ، وصرّح به عامة المفسّرين فليتدبّر.
وفي معالم البغويّ : وذهب بعضهم إلى أنّ الطهور ما يتكرر منه التطهير ، كالصبور لمن يتكرّر منه الصبر ، والشكور لمن يتكرّر منه الشكر ، وهو قول مالك حتّى جوّزوا الوضوء بما توضّي به مرة ، وذهب أصحاب الرأي إلى أنّ الطهور هو الطاهر حتّى جوّزوا إزالة النجاسة بالمائعات الطاهرة ، مثل الخلّ وماء الورد والمرق.
وقال النيشابوري : هذا القول علم بين الفقهاء في الاستدلال على طهارة الماء في نفسه ، وعلى مطهريّته لغيره ، ولا يخفى أنّ الاستدلال بهذا على طهوريّة الماء مطلقا مشكل لما عرفت من ظهوره في ماء المطر ، وهو أنظف المياه وأطهره ، فوصفه بذلك خصوصا للفائدة المذكورة في بقيّة الآية لا يستلزم اتصاف غيره من المياه بذلك ، إلّا باعتبار الإجماع على طهوريّة مطلق الماء من غير فرق أو النصّ كقوله عليهالسلام «خلق الماء طهورا (١)» والدليل حينئذ ذلك لا ما في الآية.
__________________
(١) الحديث رواه في المعتبر عن الجمهور بلفظ خلق الماء طهورا لا ينجسه شيء الا ما غير لونه أو طعمه أو ريحه ورواه في السرائر بعنوان المتفق على روايته وفي المدارك ص ٥ كونه من الاخبار المستفيضة ورواه في الوسائل بلفظ خلق الله الماء طهورا إلخ عن المعتبر وابن إدريس ورواه في المستدرك وغوالي اللئالي عن الفاضل المقداد بلفظ خلق الله الماء إلخ ولفظ الفاضل في كنز العرفان ج ١ ص ٣٩ الماء طهور لا ينجسه الا ما غير لونه أو طعمه أو ريحه ورواه بدون الاستثناء بلفظ خلق مع رمز خ على كلمة الله.
ولم أظفر في الجوامع الحديثية لأهل السنة على الحديث بهذا اللفظ نعم أرسلوه في كتبهم في الفقه والتفسير وغيرهما كالرازي ج ٢٤ ص ٩٥ والمناوى في فيض القدير ص ٣١٢ ج ١ شرح الرقم ٥١٢ وجواهر الاخبار ذيل البحر الزخار ج ١ ص ٢٨ ومختصر المزني واحياء العلوم للغزالي ج ١ ص ١١٥.
واما أخبارهم المسندة فليس فيها لفظ خلق أو خلق الله الا ان فيها الماء طهور ان الماء طهور وأمثاله وكفى هذه الألفاظ أيضا فيما أراد المصنف إثباته من عدم اختصاص الحكم بالمياه المنزلة من السماء بالإجماع والاخبار لا بالاية فلا حاجة لنا بشرح اختلاف ألفاظ الأحاديث في ذلك الباب.