نعم يمكن أن يستدلّ به على مزيّة قوّة التطهير لماء المطر أما الاستدلال بها على اختصاص الطهوريّة بالماء كما هو ظاهر جماعة من الشافعيّة ، فلا ، إلّا أن يقال : حيث ثبت في الشريعة أن الماء مطلقا طهور ، علم أنّ المراد هنا وصفه بالطهوريّة بحسب حقيقته ونوعه ، فينتفى عن غيره بالمفهوم ، فليتدبر.
ثمّ هذا عامّ يأتي على المعاني المعتبرة كلّها ، سواء البليغ في الطهارة ، والطاهر في نفسه المطهّر لغيره ، وغيره ، فلا ينفع في الفرار عن ذلك الحمل على البليغ في الطهارة كما ذهب إليه الحنفيّة ، وكأنّهم غفلوا عن مقتضى المبالغة فحملوه على الطاهر في الجملة [مع أنّ الماء يصحّ به إزالة النجاسة لوصفه بالطهورية قطعا] فلا يأتي حينئذ الاختصاص بالمفهوم ، للإجماع على طهارة غير الماء أيضا فليتأمل.
ثمّ لا يخفى مع ذلك أنّ الطهارة حكم شرعي لا بد فيه من دليل شرعي ليحكم بها بعد ثبوت النجاسة شرعا ، وذلك واضح ، مع استعمال الماء على وجهه للإجماع وغيره أما في غير الماء فلا ، وما يستدلّ به من الأمر المطلق بالغسل والتطهير المطلق من غير تقييد بالماء ففيه أنّ الظاهر من التطهير والغسل عرفا وشرعا إنّما هو بالماء فينصرف إليه.
على أنّه قد ورد التقييد في بعض الأخبار بالماء ، فينبغي حمل المطلق على المقيّد وإن لم يثبت عرف في ذلك ، فيعلم الشرع به ، على أنّ ذلك خلاف الاحتياط وكاد أن يكون خلاف الإجماع في ذلك الزمان على ما قيل فليتأمل.
ثم الأظهر أنّ المفسّرين لمّا وجدوا المقام مناسبا للبحث عن معنى الطهور وكون الماء طهورا بحثوا عنه ، وأوردوا مذاهب الفقهاء على حسب ما ناسب ذلك من غير أن يكون مدار مذهب كلّ في هذه المسائل على المراد بما في الآية ، هذا ، ولا يخفى أنّ الظاهر على الأقوال كلّها أنّه يصحّ استعماله للطهارة ، وأنه يفيدها ، فهو طاهر مطهّر يصح الطهارة به عن الحدث الأصغر والأكبر ، وإزالة الخبث به عن كلّ شيء إلّا ما أخرجه الدليل ، وأنّ الظاهر بقاء الطهارة والطهورية مع بقاء الاسم ، وإن استعمل أو تغيّر من نفسه ، أو بالامتزاج ، أو المجاورة ، حتّى يثبت المزيل ، والله أعلم.