فيه بعض ما تقدّم فتفكّر.
ثمّ الظاهر من المشرك من أثبت لله شريكا ، فهو غير الموحّد ، فلا يدخل الموحّد الكتابيّ ، ويحتمل كون الجميع مشركين لقوله تعالى (وَقالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللهِ وَقالَتِ النَّصارى الْمَسِيحُ ابْنُ اللهِ) إلى قوله (سُبْحانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ) كما قاله كثير من الأصحاب ، وصاحب الكشّاف أيضا في غير هذا الموضع فتأمل ، فيكون الجميع نجسا فينجس ما يباشرونه من المائعات الّتي تنجس بملاقاة النجاسة وغيرها مع الرطوبة.
فقوله «طعامهم حلّ لكم» (١) يراد به الحبوب كما هو المشهور ، ووردت به الرواية أو يراد به أنّ طعامهم من حيث أنّه طعامهم غير حرام ، بل انّما يحرم منه ما تنجّس بالملاقاة للنجاسة ، فإن قبل الطهارة حلّ أيضا أو عندها فافهم.
ولا يجوز لهم دخول المسجد الحرام كما هو صريح قوله (فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرامَ) إن كان تعلّق النهي بالقرب للمبالغة والتأكيد ، وإلّا فيحرم دخولهم الحرم أيضا ، وهو أقرب من قول عطاء أنّ المراد بالمسجد الحرام الحرم ، وإن أيّده بقوله تعالى (سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ).
وصاحب اللّباب خلط بينهما (٢) وأبعد شيء قول أبي حنيفة أنّ النهى عن الحجّ والعمرة لا عن الدخول مطلقا ، لقول عليّ عليهالسلام حين نادى ببراءة «ألا لا يحجّ بعد عامنا هذا مشرك» حتّى أنّه جوز للمشركين دخول المسجد الحرام لغير الحجّ والعمرة ، وغير خفيّ على ذي مسكة أنّ الخبر غير مناف لتحريم دخولهم المسجد الحرام الذي هو صريح الآية ، فلا يجوز العدول عنه.
ولو قلنا إنّ ظاهر الحال يقتضي أن يكون ذلك من مقتضى الآية ، فإنّه لا يستلزم ما قاله ، بل لعلّه لقطع تعلّقهم من دخول المسجد أو الحرم أيضا ، لاستلزام الحجّ والعمرة دخول المسجد والحرم ، أو لأنّ الحاجّ والمعتمر يقربان من دخول
__________________
(١) يعني في قوله تعالى «وَطَعامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حِلٌّ لَكُمْ».
(٢) انظر تفسير الخازن ج ٢ ص ٢١٢.