مسوغات الابتداء بالنكرة
لم يعول المتقدمون في ضابط ذلك إلا على حصول الفائدة ، ورأى المتأخرون أنه ليس كل أحد يهتدي إلى مواطن الفائدة ، فتتبعوها ، فمن مقل مخلّ ، ومن مكثر مورد مالايصلح أو معدد لاُمور متداخلة ، والذي يظهر أنها منحصرة في عشرة اُمور :
أحدها : «أن تكون موصوفة لفظاً أو تقديراً أو معنى» ، فالأول ، نحو : (وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ) (الأنعام / ٢) ومن ذلك قولهم : «ضعيف عاذ بقرملة» ، إذ الأصل : رجل ضعيف ، فالمبتدأ في الحقيقة هو المحذوف ، وهو موصوف ، والنحويون يقولون : يبتدأ بالنكرة إذا كانت موصوفة أو خلفاً من موصوف ، والصواب : ما ذكرناه. وليست كل صفة تحصل الفائدة ، فلو قلت : «رجل من الناس جاءني» لم يجز. والثاني ، نحو قولهم : «السمن منوان بدرهم» أي : منوان منه بدرهم ، وقولهم : «شر أهر ذاناب» ، إذا المعنى : شر أيّ شر. والثالث نحو : «رجيل جاء ني» ; لأنه في معنى رجل صغير ، وقولهم : «ما أحسن زيداً» ; لأنه في معنى شيء عظيم حسّن زيداً ، وليس في هذين النوعين صفة مقدرة فيكونا من القسم الثاني.
والثاني : أن تكون عاملة : إما رفعاً ، نحو : «قائم الزيدان» عند من أجازه ، أو نصباً ، نحو : «أمر بمعروف صدقة» ; إذ الظرف منصوب المحل بالمصدر أو جراً ، نحو : «غلام امرأة جاءني» ، وشرط هذه : أن يكون المضاف إليه نكرة ، كما مثلنا ، أو معرفة والمضاف مما لايتعرف بالإضافة ، نحو : «مثلك لايبخل» و «غيرك لايجود» وأما ما عدا ذلك فإن المضاف إليه فيه معرفة لانكرة.
والثالث : العطف بشرط كون المعطوف أو المعطوف عليه مما يسوغ الابتداء