الأعداد المتولّدة عن الوحدات ؛ لأنّ قوام المركبات بالبسائط ، وهي أمور كلّ واحد منها واحد في نفسه ، ثمّ تلك الأمور إمّا أن تكون لها ماهيات وراء كونها وحدات أو لا تكون. فإن كان الأوّل كانت مركبة ، لأنّ هناك تلك الماهية مع تلك الوحدة ، وكلامنا ليس في المركبات ، بل في مبادئها. وإن كان الثاني كان مجرّد وحدات ، وهي لا بدّ وأن تكون مستقلة بأنفسها وإلّا لكانت مفتقرة إلى الغير ، فيكون ذلك الغير أقدم منها ، وكلامنا في المبادئ المطلقة ، هذا خلف.
فإذن الوحدات أمور قائمة بأنفسها ؛ فإن عرض الوضع للوحدة صارت نقطة ، وإن اجتمعت نقطتان حصل الخطّ ، فإن اجتمع خطان حصل السطح ، فإن اجتمع سطحان حصل الجسم. فظهر أنّ مبدأ الأجسام الوحدات.
ونقل أيضا عنه (١) : إنّ الوحدة تنقسم إلى وحدة بالذات غير مستفادة من الغير وهي التي لا تقابلها كثرة ، وهو المبدأ الأوّل ؛ وإلى وحدة مستفادة من الغير وهي مبدأ الكثرة وليست بداخلة فيها بل تقابلها الكثرة ، ثمّ تتألف منها الأعداد وهي مبادئ الموجودات. وإنّما اختلفت الموجودات في طبائعها ، لاختلاف الأعداد بخواصّها (٢).
القسم الرابع : أن يكون العالم قديم الصفات محدث الذات ، وهو محال لم يقل به أحد؛ لقضاء الضرورة ببطلانه.
وأمّا جالينوس فانّه كان متوقفا في الكل (٣). وللناس هنا اختلافات كثيرة أشهرها ما قدمناه.
__________________
(١) أي عن فيثاغورس.
(٢) راجع الملل والنحل : ٣٨٥ (رأي فيثاغورس) ؛ المطالب العالية ٤ : ٢٦ ؛ المواقف : ٢٤٥.
(٣) أراد به ما عدا الاحتمال الرابع إذ لا يتصور من عاقل أن يتردد ويتوقف فيه ، بل لا بدّ أن ينفيه ببديهته. شرح المواقف ٧ : ٢٢٢.