الثاني : أن يقال : فهلّا منع الباري تعالى النفس من التعلق بالهيولى؟
والجواب عن الأوّل : بأنّ هذا السؤال غير مقبول من المتكلمين ؛ لأنّهم يقولون : القادر المختار يرجّح أحد مقدوريه على الآخر من غير مرجّح ، فهلّا جوزوا ذلك في النفس؟ وغير مقبول من الفلاسفة أيضا ؛ لأنّهم جوزوا في السابق أن يكون علة معدّة للّاحق ، فهلّا جوزوا أن يقال : النفس قديمة ولها تصورات متجددة غير متناهية ولم يزل كل سابق علّة للاحق حتى انتهت إلى ذلك التصور الموجب لذلك التعلّق؟
والجواب عن الثاني : أنّ الباري تعالى علم أنّ الأصلح للنفس أن تصير عالمة بمضارّ هذا التعلق ، حتى أنّها بنفسها تمتنع عن تلك المخالطة. وأيضا فالنفس بمخالطتها الهيولى تكسب من الفضائل العقلية والكمالات ما لم تكن موجودة لها. فلهذين الغرضين لم يمنع الباري تعالى النفس عن التعلق بالهيولى.
ونقل صاحب الملل عن قاديمون (١) ـ الذي يقال إنّه شيث بن آدم ـ أنّه قال : المبادئ الأول خمسة : الباري تعالى ، والنفس ، والهيولى ، والزمان ، والخلاء. وبعدها وجود المركبات.
الفريق الثاني : أصحاب فيثاغورس (٢) ، وهم الذين قالوا : المبادئ هي
__________________
(١) كذا في المخطوطة وفي تلخيص المحصل : ١٩٤ : «غاديمون» وفي الملل والنحل ٢ : ٢٩٠ : «عاذيمون» وفي هامشه انّه شيث بن آدم عليهماالسلام ومعنى شيث : عطية الله وهبة الله ، ويسميه الفرس منشأ ، وتسميه الصابئة اغناذيمون وهو استاذ إدريس عليهالسلام وقد أخذ في أوّل عمره بعلم شيث ، وإلى شيث تنتهي أنساب بني آدم.
(٢)Pythagoras) نحو ٤٩٠ ـ ٤٩٧ ق. م) : اغريقي يوناني ، كان في النبي سليمان عليهالسلام. قد أخذ الحكمة من معدن النبوّة. هرب من بلده إلى ايطاليا واسس بها فرقة سياسية دينية. وهو الذي وضع لفظة فلسفة وتعنى حب الحكمة. أمّا مدرسته وهي المدرسة الفيثاغورية ، فلم تكن مدرسة فلسفية فحسب ، بل دينية أخلاقية على نظام الطرق الصوفية. راجع : الملل والنحل : ٣٨٥ (رأي فيثاغورس) ؛ الموسوعة الفلسفية : ٣٥٣ ؛ موسوعة الفلسفة ٢ : ٢٢٨.