الحيوانات على الوجه الأكمل. والذي بقي فيها من الفساد غير ممكن الزوال.
ثمّ إنّ الله تعالى أفاض على النفس عقلا وإدراكا ، وصار ذلك سببا لتذكرها عالمها ، وسببا لعلمها بأنّها لا تنفك عن الآلام ما دامت في العالم الهيولاني. وإذا عرفت النفس هذا وعرفت أنّ لها في عالمها اللذات الخالية عن الألم اشتاقت إلى ذلك العالم وعرجت بعد المفارقة وبقيت هناك أبد الآباد في نهاية البهجة والسعادة.
قالوا : وبهذا الطريق زالت الشبهات الدائرة بين الفلاسفة القائلين بالقدم وبين المتكلّمين القائلين بالحدوث ؛ فإنّ القائلين بالقدم قالوا : لو كان العالم محدثا فلم أحدثه الله تعالى في هذا الوقت ، دون ما قبله وما بعده؟ وإذا كان الخالق تعالى حكيما فلم ملأ الدنيا من الآفات؟
والقائلون بالحدوث قالوا : لو كان العالم قديما لكان غنيا عن الفاعل ، وهو باطل قطعا لما نرى من آثار الحكمة وظهورها في العالم.
وتحير الفريقان في ذلك. وأمّا على الطريق الذي سلكناه فالإشكالات بأجمعها زائلة ؛ لأنّا لمّا اعترفنا بالصانع الحكيم لا جرم قلنا بحدوث العالم. فإذا قيل : فلم أحدث العالم في هذا الوقت؟ قلنا : لأنّ النفس إنّما تعلقت بالبدن (١) في ذلك الوقت ، وعلم الباري تعالى أنّ ذلك التعلق سبب الفساد ، إلّا أنّه بعد وقوع المحذور صرفه إلى الوجه الأكمل بحسب الإمكان. وأمّا الشرور الباقية ، فإنّما بقيت لعدم إمكان تجريد هذا المركب عنها.
بقي هنا سؤالان :
الأوّل : لم تعلقت النفس بالهيولى بعد تجردها؟ فإن حدث هذا التعلق بكلّيته لا عن سبب ، فجوزوا حدوث العالم بكليته لا عن سبب.
__________________
(١) في عبارة الرازي : «الهيولى». تلخيص المحصل : ١٩٣.