الحركات السماويّة امتزاجات هذه العناصر ، ومنها هذه المركبات (١).
ونقل الشيخ في الشفاء عنه أنّه قال : إنّ هذه الأجزاء إنّما تتخالف بالشكل وأنّ جوهرها جوهر واحد بالطبع وإنّما تصدر عنها أفعال مختلفة لأجل الأشكال المختلفة (٢).
وقالت الثنوية : أصل العالم هو النور والظلمة.
الفرقة الثانية : الذين قالوا : أصل العالم ليس بجسم وهم فريقان :
الفريق الأوّل : الحرنانية (٣) : وهم الذين أثبتوا القدماء الخمسة : الباري تعالى والنفس والهيولى والدهر والخلاء.
قالوا : الباري تعالى في غاية التمام في العلم والحكمة لا يعرض له سهو ولا غفلة ويفيض عنه العقل ، كفيض النور عن القرص ، وهو يعلم الأشياء علما تاما.
وأمّا النفس ، فانّه يفيض عنه الحياة فيض النور عن القرص ، لكنّها جاهلة لا تعلم الأشياء ما لم تمارسها. وكان الباري تعالى عالما بأنّ النفس ستميل إلى التعلق بالهيولى وتعشقها وتطلب اللّذة الجسمية وتكره مفارقة الأجسام وتنسى نفسها ، ولمّا كان من شأن الباري تعالى في الحكمة التامة عمد إلى الهيولى بعد تعلّق النفس بها ، فركّبها ضروبا من التراكيب ، مثل السماوات والعناصر ، وركّب أجسام
__________________
(١) المصدر نفسه : ٤٢١ ؛ تلخيص المحصل : ١٩٠ ـ ١٩١.
(٢) الفصل الأوّل من المقالة الواحدة من الفن الثالث من طبيعيات الشفاء.
(٣) بفتح الحاء وسكون الراء المهملتين وبالنون وذكر في الصحاح انّ حرنان اسم بلد والنسبة حرناني على غير قياس والقياس حرّاني بتشديد الراء. شرح المواقف ٧ : ٢٢١.
وهم مع اعتقادهم بوجود الله تعالى يقولون : وما يهلكنا إلّا الدهر ولا دار سوى هذه الدار وما تميتنا إلّا الأيام والليالي ومرور الزمان وطول العمر ، ويسندون الحوادث إلى الدهر.
وينسب الطوسي القول بالقدماء الخمسة إلى ابن زكريا الطبيب الرازي وكتاب له موسوما ب «القول في القدماء الخمسة». راجع تلخيص المحصل : ١٢٦.