الباري تعالى ومن ذات العالم ، لإمكان تعقل ذات الله تعالى وذات العالم مع الجهل بكونه تعالى مؤثرا في العالم (١) ، فمفهوم المؤثرية ليس وصفا عدميا وإلّا لكان عدم المؤثرية وجوديا ، ضرورة أنّ أحد النقيضين لا بدّ وأن يكون ثبوتيا ، لكن المعدومات يصحّ وصفها بأنّها غير مؤثرة في شيء فيلزم أن تكون المعدومات موصوفة بالصفات الثبوتية ، وهو محال ، فثبت أنّ عدم كون الشيء مؤثرا في غيره أمر عدمي فالمؤثرية صفة ثبوتية. فحينئذ نقول : لو لم يكن الباري تعالى مؤثرا في الأزل في وجود العالم ثمّ صار مؤثرا فيه لزم حدوث صفة في ذاته ، وهو محال ، فوجب أن تكون مؤثرية الباري تعالى في العالم ثابتة دائما ، وهو المطلوب.
السادس عشر : لو كان العالم محدثا لكان الله تعالى سابقا عليه بمدّة غير متناهية على ما تقدّم (٢) فيكون حدوث العالم موقوفا على انقضاء قدم (٣) المدّة الغير المتناهية وانقضاء ما لا يتناهى محال والموقوف على المحال محال ، فالتقدّم محال ، وإذا انتفى التقدّم ثبت القدم.
السابع عشر : ما رأينا شيئا حادثا إلّا من شيء ، فالبيضة لا توجد إلّا من دجاجة ولا دجاجة إلّا من بيضة (٤) فلو جوزنا حدوث العالم لا من شيء لزم تجويز خلاف القضايا المطردة ، حتى يجوز أن يدرك الأعمى الذي بالصين في الليلة الظلماء بقّة في الأندلس ولا يبصر الإنسان الصحيح الحس في النهار الواضح
__________________
(١) ولأنّها (أي المؤثرية) نسبة بينهما والنسبة مغايرة للمنتسبين. قواعد المرام : ٦٠.
(٢) في الوجه السادس.
(٣) كذا ، وفي نهاية العقول : «تلك».
(٤) وقد نقل الرازي مثالا آخر عن المتقدمين وهو : ما شاهدنا ليلا إلّا وقبله نهار ، ولا نهارا إلّا وقبله ليل ، فوجب أن يكون الأمر كذلك. وقال : «والمتكلمون شنّعوا عليهم ، وقالوا : هذا جمع بين الشاهد والغائب بمحض التحكم ، وأنّه باطل». ثمّ نقل عن الفلاسفة وجوها لدفع هذا الإشكال. راجع المصدر نفسه : ١٩١ ـ ١٩٤.