الجبل الذي يحضر به ، إلى غير ذلك من المحالات. والأشعرية وإن التزمت هذا لكنّا نلزمهم ما لم يلتزموه وهو أنّهم اتّفقوا على امتناع حصول العلم بدون الحياة ولا طريق إلى ذلك إلّا الاستقراء ، فإذا جوزنا حصول الأمر على خلاف ما شاهدناه ، فلم لا يجوز حصول علم بدون حياة؟ فثبت أنّا لو لم نقس الغائب على الشاهد مطلقا لزمنا القول بالسفسطة.
الثامن عشر : لو كان العالم محدثا لكان الباقي مقدورا بالله تعالى ، والتالي باطل ، فالمقدّم مثله.
بيان الشرطية : أنّ المفتقر إلى القادر ليس العدم السابق لأنّه نفي محض فلا تأثير للقادر فيه ، أو الوجود الحاصل ، لكن وجود الشيء حال حدوثه هو وجوده حال بقائه ، وحكم الشيء الواحد لا يختلف ، فلمّا افتقر إلى القادر حال حدوثه وجب أن يفتقر إليه حال بقائه.
وأمّا بطلان التالي ، فلاستلزامه تحصيل الحاصل ، لأنّ القادر تأثيره في تحصيل الوجود والوجود حاصل.
التاسع عشر : قالت المانوية (١) : لو كان الجسم حادثا استحال أن يكون حدوثه عدميا.
لأنّا نقول : لم يكن حادثا فصار حادثا فأحدهما نقيض للآخر فأحدهما ثبوتي ، فإذا علمنا ضرورة أنّ قولنا «ما حدث» عدمي علمنا أنّ قولنا «حدث» ثبوتي. ويستحيل أن يكون نفس الجسم ، وإلّا لكان متى ثبت الجسم ثبت حدوثه
__________________
(١) المانوية : أصحاب ماني بن فاتك (أو فتق بابك) الحكيم الثنوي صاحب القول بالنور والظلمة ، ظهر أيّام سابور بن أردشير ملك الفرس ، وقتله بهرام بن هرمز بن سابور ، وذلك بعد عيسى عليهالسلام ، اتخذ دينا بين المجوسية والنصرانية ، وكان يقول بنبوة المسيح عليهالسلام ولا يقول بنبوة موسى عليهالسلام. راجع فهرست النديم : ٤٥٦ ؛ الشهرستاني ، الملل والنحل ، (ترجمة المانوية).