أمّا الأوّل : فلأنّ هذا المختار إمّا أن لا يمكنه إيجاد العالم في وقت آخر أو يمكنه ذلك فإن لم يمكنه ذلك فهو إمّا أن يكون لأجل خاصيّة في هذا الوقت أو لا لخاصيّة فيه ، والأوّل باطل لتساوي الأوقات كلّها في الماهية بالضرورة فيستحيل أن يختصّ الواحد منها بحكم واجب.
وأيضا صحّة حدوث العالم في نفسه وصحّة محدثية الباري تعالى له إن اختصتا بذلك
الوقت كانتا قبله ممتنعتين لذاتيهما ثمّ انقلبتا إلى الإمكان ، وانقلاب الحقائق محال لافضائه إلى السفسطة ويلزم نفي الصانع على ما تقدّم. وإن لم تختصا بذلك الوقت كان المؤثر متمكنا من التأثير في غير ذلك الوقت.
وأيضا فذلك الوقت إن امتاز عن سائر الأوقات في اختصاصه بهذه الصحّة كان ذلك الوقت موجودا قبل حدوث العالم ، وهو يقتضي قدم الزمان. ولأنّ الوقت من العالم فيكون العالم موجودا قبل أن يكون موجودا.
وأيضا فتلك الصحّة لمّا لم تكن حاصلة قبل ذلك الوقت ثمّ حصلت فيه فإن لم يكن لها مؤثر أصلا فقد حدث الشيء لا عن مؤثر ، وهو محال ويسدّ باب إثبات الصانع. وإن كان لها مؤثر نقلنا الكلام إلى صحّة تأثير ذلك المؤثر في تلك الصحّة أنّها مختصة بذلك الوقت أو غير مختصة ، ويعود الكلام الأوّل بعينه.
وإن لم يكن لخاصيّة في ذلك الوقت كانت تلك المؤثرية الواجبة غير موقوفة على اعتبار شيء من الأوقات ومتى كان كذلك وجب دوام تلك المؤثرية.
وأمّا إن كان الفاعل مختارا يمكنه أن لا يوجد العالم في الوقت الذي أوجده فيه فيكون إيجاد العالم في الوقت الذي أوجده فيه ممكنا فيحتاج إلى المؤثر ، ويعود الإشكال.
لا يقال : القادر يرجح لا لأمر ، كالهارب من السبع وشبهه. أو أنّ الإرادة الأزلية خصصت ترجيح المقدور على غيره لذاتها في وقت معين.