لأنّا نقول : تقدم إبطال الترجيح من غير مرجّح ، وسيأتي هنا. والقادر إن لم يمكنه اختيار العالم في غير ذلك الوقت فهو موجب. ولأنّ اختيار إيقاع ذلك الفعل يبطل عند وقوعه ، فذلك الاختيار لا يكون واجبا لذاته ولا من لوازم ذاته ، فيكون وجوبه تعالى غير ذاته وهو محال ؛ لأنّ ما عدا ذاته يستند إلى اختياره فلا يجوز أن يكون اختياره مستندا إلى ما عدا ذاته. وإن أمكنه لم يترجح أحد الاختيارين إلّا لمرجّح ، فإن كان اختيارا آخر تسلسل أو انتهى إلى ذاته ، وذلك عودا إلى ما قلناه.
وأمّا الثاني : فهو باطل ، لأنّ العمدة في إثبات الصانع احتياج الممكن إلى المؤثر ، فلو جوزنا ترجيح أحد طرفي الممكن على الآخر من غير مرجّح لم يمكننا أن نحكم في شيء من الممكنات باحتياجه إلى المؤثر ، وهو يسدّ باب إثبات الصانع. ونمنع تساوي الطرفين في صورة الهارب من كلّ الوجوه.
سلّمنا ، لكنّه يرجّح لأنّه يعتقد ترجيح أحدهما على الآخر من بعض الوجوه أو يغفل عن أحدهما ، فأمّا لو اعتقد تساويهما من كلّ الوجوه فانّه يستحيل منه والحال هذه أن يسلك أحدهما ، لأنّ الإنسان إذا تعارضت دواعيه إلى الحركات المتضادة فانّه يقف في ذلك الموضع ولا يمكنه أن يتحرك إلّا عند المرجّح.
أو نقول : لا نسلّم انتفاء المرجّح فجاز أن يرجّح أحدهما لأمر لا نعلمه وكذا باقي الصور. وأيضا لمّا تساوى الفعل والترك بالنسبة إلى القادر كان وقوع أحدهما من غير مرجح اتفاقا وحينئذ يجوز في سائر الحوادث ذلك ويلزم نفي الصانع.
وأيضا لمّا استويا بالنسبة إليه فترجّح أحدهما إن لم يتوقف على نوع مرجّح منه كان وقوعه لا بايقاعه بل من غير سبب فيلزم نفي الصانع ، وإن توقّف عاد التقسيم فيه أنّه هل كان حاصلا في الأزل أم لا؟
وأمّا الثالث : فباطل ، لأنّا لا نعلل أصل كون الإرادة مرجّحة بل نعلل كونها