التذنيب الثاني : هذه الطريقة مبنية على جواز خروج كلّ جسم عن حيزه ، وقد برهنّا عليه (١). ويمكن أن يستدل عليه بوجوه أخر : (٢)
الوجه الأوّل : لو وجب حصول جسم في حيز لكان الحيز الذي يحصل فيه الجسم الآخر إمّا أن يكون مخالفا للأوّل أو لا يكون ، فإن كان مخالفا له كان ثبوتيا ، لأنّ العدم الصرف والنفي المحض لا يتصور فيه الاختلاف ، لأنّ مفهوم الاختلاف أن تكون حقيقة غير قائمة مقام حقيقة أخرى ، وهو يستدعي حقائق معيّنة في أنفسها وذلك في العدم الصرف محال. ولمّا بطل ذلك ثبت أنّ الأحياز لو تخالفت لكانت وجودية ، فإمّا أن تكون مشارا إليها أو لا ، والأوّل على قسمين : إمّا أنّ تكون حالّة في الأجسام فيستحيل حصول الجسم فيه ، وإلّا دار ، أو لا تكون مع أنّه يمكن الإشارة إليها وذلك هو التحيز ، فيكون الحيز متحيزا وكلّ متحيز فله حيز ويتسلسل ، وإن لم يكن الحيز مشارا إليه استحال حصول الجسم المشار إليه فيه. فثبت أنّ الحيز نفي محض ، وأنّه إذا كان كذلك استحال أن يخالف حيزا آخر ، وإذا كان كذلك فكلّ جسم حصل في حيّز فانّه لا بدّ وأن يمكن حصوله في حيز آخر لوجوب تساوي المتماثلات في جميع اللوازم.
اعترض : بأنّ قولنا في الجوهر : إنّه حصل في حيز معيّن دون غيره ، إمّا أن يقتضي امتياز ذلك الحيز عن غيره أو لا ، فإن كان الأوّل عادت المحالات التي ذكرتموها ، وإن كان الثاني ، فنقول : إذا جاز أن يحصل في حيز دون حيز وإن لم يتميز أحدهما عن الآخر ، فلم لا يجوز أن يجب حصول ذلك في حيز دون حيز وإن لم يتميز أحدهما عن الآخر؟
الوجه الثاني : كلّ متحيز لا بدّ وأن تفرض فيه جهتان ويكون هو لكلّ واحد
__________________
(١) راجع ص ٧٢ وما قبلها.
(٢) راجع المطالب العالية ٤ : ٢٩٢ (المسألة الثانية : في بيان أنّ كلّ جسم ، فانّه يصحّ خروجه عن حيزه المعين).