حادث ، فإذن كلّ كون حادث. وثبت أنّ الجسم لا يخلو عن الكون (١) ، فالجسم لا يخلو عن الحوادث.
وأيضا لو كانت الأكوان قديمة ، فإمّا أن تكون واجبة لذاتها وهو محال. أمّا أوّلا ، فلأنّها تعدم ، وواجب الوجود يستحيل عليه العدم. وأمّا ثانيا : فلأنّ الكون على ما فسرناه صفة للجسم ، والصفة لا تستقل بنفسها في الوجود بدون الجسم ، وواجب الوجود مستقل بنفسه في الوجود.
وإمّا أن تكون جائزة الوجود فلها مؤثر إمّا موجب أو مختار ، وكلاهما محال.
أمّا الموجب ، فلأنّه لا بدّ وأن يكون واجبا لذاته أو منتهيا إلى الواجب لذاته ، وإلّا لزم التسلسل أو الدور ، وهما محالان. فذلك الواجب الموجب إن كان إيجابه بشرط فذلك الشرط إن كان جائزا فلا بدّ له من أمر فينتهي إلى الواجب لذاته ، وإلّا لزم الدور أو التسلسل. وإن كان واجبا ، أو كان الواجب الموجب لا بشرط امتنع زواله فيمتنع زوال الكون المعلول له. وقد ثبت أنّ كلّ كون فانّه يزول بمثله أو بضده ؛ لأنّ السكون يبطل بالحركة ، والحركة تبطل بالسكون.
ولأنّ ذلك الموجب لكون الجسم على وضع مخصوص ، لا يخلو إمّا أن يشترط في إيجابه خلوه عن سائر الأوضاع أو لا يشترط. فان شرط خلوه عنها ، ولا يصحّ ذلك إلّا وأن يكون حاصلا على هذا الوضع المعين لما علم من أنّ الجسم لا ينفك عن الأكوان ، صار ذلك متضمنا لكونه على هذا الوضع المعين ، وذلك حكم الموجب ، فيصير إيجاب الموجب حكمه مشروطا بحصول حكمه ، وهو محال.
وإن لم يكن مشروطا بذلك لم ينفك ، ولم يخرج من ذلك الوضع. وإن أخرج
__________________
(١) وهي الدعوى الثالثة. راجع شرح الأصول الخمسة : ١١١ (الكلام في الدعوى الثالثة ... في أنّ الأجسام لا يجوز خلوها من الأكوان) ؛ النيسابوري ، التوحيد : ٦١ (الكلام في أنّ الجسم لم يخل من الاجتماع والافتراق والحركة والسكون).