الضدين وهذا الأخير لا يشترط فيه (١) المحل.
الوجه الثالث : الفناء عرض ، ووجود عرض لا في محلّ محال ، ونعني بالعرض الحادث الذي لا يكون في جهة ، وذلك لأنّ كلّ ما يوجده القادر يجب أن يوجد على وجه يكون مشارا إليه وإلى جهته وهذا ضروري ، وبهذا يبطل جميع ما ادعوه من الأعراض التي توجد لا في محلّ كالإرادة والكراهة والفناء (٢) ، وهذا العلم في الظهور فوق علمنا بأنّ الأكوان والطعوم وغيرها تحتاج إلى محل فإن أمكن منع هذا الظهور أمكن المنع في الجميع. ولظهور هذه القضية قالت الكرامية : هذه القضية عامة في جميع الموجودات قديما كان أو حادثا.
وهذا أقوى ما لهم من الحجّة في هذه المسألة التي بها يصولون على من خالفهم ويعدّون منكر ذلك مكابرا ، ونحن قد قلنا بأنّ ذلك متصور في الحوادث دون القديم تعالى.
وفيه نظر ، لأنّ ذلك راجع إلى اختلاف التفسير ، فانّهم إن عنوا بالعرض ما يوجد في المحل فالفناء ليس بعرض بهذا المعنى ، وإن عنوا به ما يعرض في الوجود ولا بقاء له كبقاء الأجسام فهو عرض ، وإن عنوا بالجوهر ما يستقل بذاته فالفناء جوهر بهذا المعنى ، ولا مشاحة في الأسماء.
الوجه الرابع : هذا الفناء إن نافى الجسم فإمّا أن ينافيه من حيث وجوده أو لا من حيث وجوده بل من حيث حقيقته أو مقتضاه أو شيء آخر. لا جائز أن ينافيه
__________________
(١) ق : «في» ، وهو خطأ.
(٢) ذكر الشهرستاني المسائل التي انفرد بها الجبائيان ، «فمنها : أنّهما أثبتا إرادات حادثة لا في محل ... وفناء لا في محل ... وإثبات موجودات هي أعراض ، أو في حكم الأعراض لا محلّ لها كإثبات موجودات هي جواهر أو في حكم الجواهر لا مكان لها. وذلك قريب من مذهب الفلاسفة». الملل والنحل ، ترجمة (الجبائية والبهشميّة).