وعلى الرابع : بأنّ هذا الجواب لا يتمشى على قول من يقول : إنّ الله تعالى يخلق فناء واحدا يعدم به جميع الجواهر التي في العالم ، خصوصا وقد بيّنا أنّ ما كان ضدّا بنفسه لا يختلف حاله في ذلك بين أن يكون واحدا وبين أن يكون أكثر من واحد.
الوجه الثاني : شرط التنافي بين الشيء وضدّه أن يتعاقبا في محلّ واحد ، وهذا الشرط غير حاصل في الفناء مع الجسم ، فيستحيل ثبوت المنافاة فيه.
أمّا الأوّل : فلأنّ السواد والبياض وكلّ نوع من أنواع الأضداد إذا وجد أحدهما في محل ووجد الآخر في محلّ آخر فانّه يستحيل بينهما المنافاة لفقد ما ذكرنا من الشرط ، حتى لو قدرنا هذا الشرط حاصلا فانّه تحصل المنافاة.
وأمّا الثاني : فانّ الجسم وإن جاز وجوده في الحيز ، لكن يستحيل حصوله في المحل فكذا الفناء الذي يذهبون إليه يستحيل حصوله في المحل ، وإذا استحال حلول كلّ واحد منهما في المحل استحال فيهما ما هو الشرط في المنافاة فتستحيل المنافاة.
لا يقال : كلّ واحد منهما موجود على حسب وجود الآخر ، فانّ الجسم ليس في محل وكذا الفناء ، فلم لا يكفي هذا في المنافاة؟
لا يقال : إذا قدّرنا سوادا في محل وبياضا في آخر وقدّرنا محلا ثالثا فكلّ واحد من السواد والبياض موجود على حسب وجود الآخر في أنّه ليس في ذلك المحلّ الثالث ، ومع ذلك لا يكفي هذا في المنافاة بينهما ، لأنّ شرط المنافاة بينهما مفقود وهو تعاقبهما على محلّ واحد.
وفيه نظر ، فانّ التضاد قد يكون على المحل فيشترط فيه اتحاده ، وقد يكون على الوجود عندهم كما في الجواهر والفناء فكان نسبة الوجود إليهما نسبة المحل في