عدميا. فتصير المنازعة هنا لفظية ، لاعتراف الفريقين بثبوت هاتين الحالتين. (١) فلكلّ أحد أن يطلق السكون على أيّهما شاء ، لكن الحكماء جعلوه عبارة عن الثاني لوجهين : (٢)
الوجه الأوّل : لا شكّ في التقابل بين الحركة والسكون ، وهذا التقابل إنّما يكون لو فهمنا من لفظ السكون الأمر العدمي لا الوجودي ، وذلك لأنّ المتقابلات يجب أن تكون حدودها متقابلة. فلا يخلو إمّا أن نحدّ الحركة أوّلا ثمّ نطلب للسكون حدّا يقابل حدّها أو بالعكس.
فإن كان الأوّل فقد حددنا الحركة بأنّها كمال أوّل لما بالقوة ، فهنا ألفاظ ثلاثة : الكمال ، والأوّل ، والقوة ، فلا بدّ أن نأخذ في حدّ السكون ما يقابل أحدها. فإذا جعلنا السكون أمرا ثبوتيا وجب حفظ الكمال على حاله. ثمّ إمّا أن نأخذ مقابل الأوّل ، فنقول : السكون كمال ثان لما بالقوة فيلزم أن تكون قبل كلّ سكون حركة ، وإلّا لم يكن السكون ثانيا. أو نأخذ مقابل الثاني ، فنقول : السكون كمال أوّل لما بالفعل فيلزم أن تكون بعد كلّ سكون حركة ، وإلّا لم يكن السكون أوّلا. ولمّا لم يقتض مفهوم السكون أحد الأمرين بطل الحدّان المذكوران وبقي أن يورد في رسم السكون مقابل الكمال ، وهو الأمر العدمي.
وإن رسمنا السكون أوّلا وعنينا به الأمر الثبوتي وهو حصوله في الحيز لم يمكننا أن نرسمه إلّا بما يشعر باستمرار ذلك الحصول ، وذلك غير ممكن إلّا بذكر الزمان أو لواحقه ، مثل أن نقول : إنّه الحصول في المكان الواحد زمانا وأكثر من
__________________
(١) قال المصنف في مناهج اليقين : «والأوائل وإن قالوا بكون السكون عدميا لكنّهم يثبتون صفة أخرى هي الوضع ويجعلونها وجودية. ونحن لا نعني بالسكون إلّا هذا.» ص ٦٠ (المطلب الثالث : في السكون).
(٢) راجع المصدر نفسه ؛ المباحث المشرقية ١ : ٧١٢.