وقد أجاب الشيخ عن هذا الإشكال بمنع الحصر في القسمة إلى تحقّق العدم على التدريج أو دفعة وأبدا قسما آخر وهو : أن يكون عدمه في جميع الزمان الذي بعده. (١)
لا يقال : لا نسلّم أنّ عدم الآن في جميع الزمان الذي بعده ، لكن ليس كلامنا في مطلق عدمه بل في ابتداء عدمه ، ومعلوم أنّه ليس ابتداء عدمه في جميع الزمان الذي بعده. فإذن ابتداء عدمه إمّا أن يكون يسيرا يسيرا وإمّا أن يكون دفعة ، ويعود الإشكال.
لأنّا نقول : إنّ ابتداء عدم ذلك الآن هو نفس وجود ذلك الآن. ولا امتناع في أن يكون أوّل زمان عدم الآن يكون فيه وجود الآن ، كما أنّه لا يجب في المتحرك أن يكون في أوّل زمان حركته متحركا ، وكذا الساكن لا يفتقر في سكونه إلى أن يثبت له السكون في أوّل زمان سكونه ، كذا هنا.
والأصل فيه : أنّ الحركة والسكون زمانيان لا يمكن ثبوتهما في الآن ، بل يجب انتفاؤهما في أوّل زمان وجودهما.
لا يقال : هب أنّ ما يتقدّر بالزمان لا يتحصل في الآن الذي هو أوّل ذلك الزمان ، لكن اللاوجود ليس ممّا يتقدّر إلّا بالزمان ، فإنّ بعض الأشياء قد ينعدم في الآن على ما بيّنا في أوّل هذا الباب ، فإنّ التغير المستمر في الزمان عبارة عن حدوث أنواع متعاقبة مختلفة بالماهية ، ولا يوجد كلّ واحد منها إلّا آنا واحدا وينعدم فيه. وإذا ثبت ذلك ظهر أنّه يكون للاوجود أوّل يتحقّق فيه كونه لا وجودا. فإذن تكون لعدم ذلك الآن بداية يتحقّق فيها عدمه.
__________________
(١) الثاني عشر من ثانية الأول من طبيعيات الشفاء.