بالدين ؛ فكم من عاقل متماد في غوايته مستمر على عزته ، لم يخطر له قط ما ذكروه. ثم هذه الخواطر في ابتداء النظر شكوك ، والشك في الله تعالى كفر ، والباري تعالى لا يخلق الكفر على أصول القوم.
فإن قالوا : يبعث الله تعالى إلى كل عاقل ، ملكا يختم على قلبه ، ويقول في نفسه قولا يسمعه ؛ وهذا بهت عظيم ، وإثبات كلام ليس بحروف ، وفيه نقض أصلهم في استبعاد كلام سوي الحروف والأصوات.
فإن أردنا تخصيص هذه المسألة بقاطع ، قلنا : الرب تعالى مخترع المخترعات فلا خالق سواه ، كما أوضحناه ، وما يكتسبه العبد خلق لله تعالى ؛ فلا معنى إذا في دلالة العقل على وجوب شيء على العبد ، مع استحالة إيقاعه إياه. نعم ولو طالب الرب تعالى عبده ، لثبتت الطّلبة على الصفة التي ذكرناها في شبه الخصوم في خلق الأعمال. فأما إذا اعتقدنا أن العبد لا يوقع فعله ، ولم يتقدم توجه طلبة عليه ، فلا معنى للحكم بوجوبه ، كما لا معنى للحكم بوجوب فعل الجواهر ؛ فاعلموا ذلك ترشدوا ، فهذا أحد قسمي الفصل.
والقسم الثاني يشتمل على نفي الإيجاب على الله تعالى فلا يجب عليه شيء ، وهذه المسألة شعبة من التحسين والتقبيح. وسبيل تحرير الدليل فيها أن نقول لمن اعتقد وجوب شيء على الله تعالى : ما الذي عنيته بوجوبه؟ فإن قال : أردت توجه أمر عليه كان ذلك محالا إجماعا ، لأنه الآمر ، ولا يتعلق به أمر غيره.
وإن قال : المعنى بوجوبه ، أنه يرتقب ضررا لو ترك ما وجب عليه ، فذلك محال أيضا ؛ فإن الرب تعالى يتقدس عن الانتفاع والتضرر ؛ إذ لا معنى للنفع والتضرر ، والآلام واللذة ، والرب متعال عنهما. فإن قال : المعنى بوجوبه ، حسنه وقبح تركه ، وزعم أن كونه حسنا صفة نفس له ، فقد أبطلنا ذلك بما فيه مقنع.
ثم ، مما يوجبونه على الله تعالى ثواب الأعمال ، وسنعقد فيه بابا إن شاء الله عزوجل نومئ فيه إلى نكتة جارية على حسب قولهم ، فنقول : أعمال العباد شكر منهم لنعم الله تعالى ، وهو حتم عليهم عندكم ، وليس من حكم العقل استيجاب عوض على أداء فرض ، ولو استوجب العبد على أداء الشكر المفروض عوضا ، لوجب أن يجب لله تعالى على العبد شكر جديد إذا أثابه ، وإن كان الثواب واجبا ، وهذا مما لا محيص لهم عنه أبدا. ومما يوجبونه الصلاح واللطف ، وسيأتي القول فيهما.
وهذا القدر مبلغ غرضنا في المقدمتين ، ونحن الآن نبتدئ في إيلام الله تعالى العباد والبهائم في دار الدنيا.
فصل
الآلام واللذات لا تقع مقدورة لغير الله تعالى ، فإذا وقعت من فعل الله تعالى فهي منه حسن ،