سواء وقعت ابتداء أو حدثت منه مسماة جزاء. ولا حاجة عند أهل الحق في تقديرها حسنة إلى تقدير سبق استحقاق عليها أو استيجاز التزام أعواض عليها ، أو روح جلب نفع أو دفع ضر موفيين عليها. بل ما وقع منهما فهو من الله تعالى حسن ، لا يعترض عليه في حكمه ، واضطربت الآراء على من لم يلتزم تفويض الأمور إلى الله تعالى.
ونحن نحكي جملا من عقود المذاهب المجانبة للحق فيها ، ثم ننص على قاطع وجيز في الرد على كل فئة إن شاء الله تعالى. والغرض فرض الكلام في إيلام الأطفال الذين لا يعتقدون كفرا ولم يحتقبوا وزرا ، وكذلك القول في إيلام البهائم.
فأما الثنوية (١) القائلون بإثبات مدبرين ، فقد قالوا : الآلام ظلم قبيح لعينه على أي وجه قدر ، والآلام بجملتها صادرة عندهم من «أهرمن» دون «يزدان». وذهبت البكرية ، وهم فئة منتسبون إلى بكر ابن أخت عبد الواحد ، إلى أن البهائم لا تألم أصلا ، وكذلك الأطفال الذين لم يعقلوا فيلتزموا بالعقل أمرا.
وذهبت طوائف من غلاة الروافض وغيرهم إلى التناسخ ، فقالوا : إنما تألم البهائم لأن أرواحها كانت في أجساد وقوالب أحسن من أجساد البهائم ، وقد قارفت كبائر واجترمت جرائم ، فنقلت إلى أجساد أخرى لتتعذب فيها. وإذا استوفت عقابها ، وتوفر عليها ما استحقته من عذابها ، ردت إلى أحسن بنية.
ثم قضية أصلهم أن الرب تعالى لا يبتدئ بالآلام إلا عن استحقاق سابق ، ولا يحسن الإيلام عندهم للتعويض عليه ، ولا لجلب نفع به.
ثم الهياكل والأشخاص على رتب ودرجات في الرذالة والخسة ، والتعريض لفنون الآلام ؛ والأرواح منقلبة في رتبها ودرجاتها ، على حسب زلاتها.
ثم أصل هؤلاء أن جملة البهائم مكلفة ، عالمة بما يجري عليها من الآلام عذابا وعقابا ، ولو لم تعلم ذلك لما كانت الآلام زاجرة لها عن العود إلى أمثال ما قارفته. وصار بعضهم إلى أن كل جنس من أجناس الحيوانات ، منه بني مبتعث إلى آحاد الجنس. وذهب بعضهم إلى أنه ليس في الموجودات جمادات ، وأن جملة ما يتخيلها الناس جمادات أحياء ذوات أرواح معذبة.
واختلفت مذاهبهم في ابتداء التكليف. فزعم بعضهم أن الرب تعالى ابتدأ تكليف الأرواح ، وإن تضمن ذلك إلزام مشقات وآلام. وصار صائرون منهم إلى أنه لم يبتدئ بتكليف ، ولكنه فوض الخيرة إلى الأرواح ، فالتزموا التكليف من تلقاء أنفسهم ؛ ثم منهم من وفي ما التزم وأداه ، ومنهم من
__________________
(١) هم أصحاب الاثنين الأزليين ، يزعمون أن النور والظلمة أزليان قديمان بخلاف المجوس فإنهم قالوا بحدوث الظلام وذكروا سبب حدوثه. انظر الملل والنحل.