وأما عمر وعثمان وعليّ ، رضوان الله عليهم ؛ فسبيل إثبات إمامتهم واستجماعهم لشرائط الإمامة كسبيل إثبات إمامة أبي بكر ، ومرجع كل قاطع في الإمامة إلى الخبر المتواتر والإجماع ؛ وغرضنا الآن الإيجاز ، ولو تدبر العاقل لاكتفى بما ذكرناه ، واستيقن أن فيه أكمل غنية.
وتولية أبي بكر عمر رضي الله عنهما ، وجعله إياه وليّ عهده ، وجعل عمر الأمر بينهم شورى من غير إنكار عليهما ، إجماع على تصحيح ذلك في سائر الأعصار ، ولا اكتراث بقول من يقول لم يحصل إجماع على إمامة عليّ رضي الله عنه ، فإن الإمامة لم تجحد له ، وإنما هاجت الفتن لأمور أخر.
فصل
فإن قيل : هل تفضلون بعض الصحابة على بعض ، أم تضربون عن التفضيل؟ قلنا : الغرض من ذلك ينبني على منع إمامة المفضول. والذي صار إليه معظم أهل السنة أنه يتعين للإمامة أفضل أهل العصر إلا أن يكون في نصبه هرج وهيجان فتن ، فيجوز نصب المفضول إذ ذاك إذا كان مستحقا للإمامة ، وهذه المسألة لا أراها قطعية ، ولا معتصم لمن يمنع إمامة المفضول إلا أخبار آحاد في غير الإمامة التي نتكلم فيها ، كقوله صلىاللهعليهوسلم : «يؤمكم أقرؤكم». ولا يفضي هذا وأمثاله إلى القطع ، كيف ولو تقدم المفضول في إمامة الصلاة لصحت الإمامة وإن ترك الأولى! فهذا قولنا في إمامة المفضول.
ثم لم يقم عندنا دليل قاطع على تفضيل بعض الأئمة على بعض ، إذ العقل لا يشهد على ذلك ، والأخبار الواردة في فضائلهم متعارضة لا يمكن تلقي التفضيل من منع إمامة المفضول. ولكن الغالب على الظن أن أبا بكر رضي الله عنه أفضل الخلائق بعد الرسول صلىاللهعليهوسلم ، ثم عمر بعده أفضلهم ، وتتعارض الظنون في عثمان وعلي ، وقد روي عن عليّ رضي الله عنه أنه قال : خير الناس بعد نبيهم أبو بكر ، ثم عمر ، ثم الله أعلم بخيرهم بعدهما. فهذا هو قوله أبديناه مجانبا للتقليد ، جاريا على الحق الواضح.
فصل
قتل عثمان بن عفان رضي الله عنه ظلما ، إذ كان إماما ، وموجبات القتل مضبوطة عند العلماء ، ولم يجر عليه منها ما يوجب قتله. ثم تولى قتله ، همج ، ورعاع ، وأشابة من كل أوب ، وأخياف من سفلة الأطراف كالتجيبي (١) ، والأشتر النخعي (٢) ، وأراذلة من خزاعة ، ومن يستحق القتل ، فليس إلى هؤلاء قتله ، فلا يشك فيه أنه قتل مظلوما.
__________________
(١) هو كنانة بن بشر التجيبي قاتل عثمان بن عفان رضي الله عنه. ذكره الفيروزآبادي في القاموس المحيط في مادة (تجيب).
(٢) هو مالك بن الحارث توفي عام ٣٧ ه / ٦٥٧ م. أمير شاعر أبرز أنصار علي بن أبي طالب وقائد جيوشه ولاه على مصر فمات مسموما قبل دخولها. انظر المنجد في اللغة والأعلام.