وعلى هذا المذهب بنوا كثيرا من الأهواء ، وهو باطل. فإن الأخص لو أوجب الاشتراك فيه الاشتراك في سائر الصفات النفسية ، لامتنع مشاركة الشيء خلافه في صفات العموم ، إذ هما غير مشتركين في الأخص ، فإذا فقدت العلة لزم انتفاء المعلول. وقد علمنا أن السواد المخالف للحركة بالأخص مشارك لها في الحدث والوجود والعرضية وغيرها ، فيبطل تعليل التماثل في الصفات بالاشتراك في الأخص. ومما يبطل ذلك ، أن الشيء عندهم يماثل مثله بما يخالف به خلافه. ثم العلم مخالف للقدرة في كونه علما على الضرورة ، ومنكر ذلك جاحد لها ، وذلك يبطل المصير إلى أن المخالفة والمماثلة تقعان بالأخص.
فالوجه بعد بطلان اعتبار الأخص تعليلا به ، أن نقول : لا بدّ من رعاية جمع صفات النفس في تبيين المماثلة ، وقد بطل التعليل بشيء منها ، فلا وجه إلا ذكر جميعها. وقد نقضت المعتزلة أصلها ، حيث أثبتوا للباري سبحانه وتعالى إرادة حادثة ، يستحيل عليها القيام بالمحال ، وقضوا بأنها مثل لإرادتنا القائمة بالمحل ، وهذا اعتراف بالاشتراك في الأخص من غير وجوب الاشتراك في سائر الصفات.
فصل
فإن قيل : هل يجوز أن يستبد أحد المثلين بحكم عن مماثله؟ أم هل يجوز أن يشارك أحد الخلافين في حكم ما يخالفه؟ قلنا : هذا السؤال يشتمل على مسألتين.
فأما الأولى ، فالجواب عنها أن الشيء لا يستبد بصفة نفس عن مثله ، ويجوز أن ينفرد بصفة معنى وقوعا يجوز مثلها على مماثله.
وبيان ذلك بالمثال أن الجواهر متماثلة لاستوائها في صفات الأنفس ، إذ لا يستبدّ جوهر عن جوهر بالتميز وقبول الأعراض ، إلى غير ذلك من صفات الأنفس ، وقد يختص بعض الجواهر بضروب من الأعراض يجوز أمثالها في سائر الجواهر. فخرج من ذلك أن اختصاص الشيء ببعض الصفات الجائزة على مماثله لا يقدح في مماثلته له ، فإن الشيء يماثل ما يماثله لنفسه ، فيراعى في حكم المماثلة صفات الأنفس. فالطواري الجائزة لا تحيل صفات الأنفس.
وأما المسألة الثانية التي تضمنها السؤال ، فالوجه فيها أن لا يمتنع مشاركة الشيء لما يخالفه في بعض صفات العموم ؛ فالسواد وإن خالف البياض فإنه يشاركه في الوجود ، وكونهما عرضين لونين ، إلى غير ذلك.
وغرضنا من التعرض لهذه المسألة الرد على طوائف من الباطنية (١) ، حيث قالوا : لا يثبت للباري ، تعالى عن قولهم ، صفة من صفات الإثبات. وزعموا أنهم لو وصفوا القديم بكونه موجودا
__________________
(١) ظهرت دعوة الباطنية في أيام المأمون من حمدان قرمط ، ومن عبد الله بن ميمون القدّاح وليست الباطنية من فرق الإسلام بل من فرق المجوس. انظر الفرق بين الفرق.