وذهب ذاهبون من نفاة الصفات إلى أن الباري ، تعالى عن قولهم ، حيّ ، عالم ، قادر ، لا لعلل ولا لنفسه.
ونحن نرى أن نقدّم على الخوض في الحجاج فصلين ؛ يشتمل أحدهما على إثبات الأحوال ، والردّ على منكريها ؛ ويشتمل الثاني على جواز تعليل الواجب من الأحكام. فإذا نجزا. خضنا بعدهما في الحجاج.
فصل
الحال صفة لموجود ، غير متصفة بالوجود ولا بالعدم.
ثم من الأحوال ما يثبت للذوات معلّلا ، ومنها ما يثبت غير معلّل. فأما المعلل منها ، فكل حكم ثابت للذات عن معنى قائم بها ؛ نحو كون الحيّ حيّا ، وكون القادر قادرا. وكل معنى قام بمحل ، فهو عندنا يوجب له حالا ، ولا يختص إيجاب الأحوال بالمعاني التي تشترط في ثبوتها الحياة.
وأما الحال التي لا تعلّل ، فكل صفة إثبات لذات من غير علة زائدة على الذات ، وذلك كتحيز الجوهر فإنه زائد على وجوده. وكل صفة لوجود لا تنفرد بالوجود ، ولا تعلل بموجود ، فهي من هذا القسم ؛ ويندرج تحته كون الموجود عرضا ، لونا ، سوادا ، كونا ، علما ، إلى غير ذلك.
وأنكر معظم المتكلمين الأحوال ، وزعموا أن كون الجوهر متحيزا عين وجوده ، وكذلك قولهم في كل ما حكمنا بكونه حالا لموجود زائدا على وجوده.
والدليل على إثبات الأحوال ، أن من علم بوجود الجوهر ولم يحط علما بتحيزه ، ثم استبان تحيزه فقد استجد علما متعلقا بمعلوم ، ويسوغ تقدير العلم بالوجود دون العلم بالتحيز. وإذا تقرر تغاير العلمين ، فلا يخلو معلوم العلم الثاني من أمرين : إما أن يكون هو المعلوم بالعلم الأول ، وإما أن يكون زائدا عليه ، وباطل أن يكون المعلوم بالعلم الثاني هو المعلوم بالعلم الأول لأوجه :
منها ، أن العاقل يقطع عند الاتصاف بالعلم الثاني ، أنه أحاط بما لم يحط به قبل ، واستدرك ما لم يستدركه أولا ، ويجوز تقدير الجهل بالتحيز مع العلم بالوجود ؛ فلو كان تحيز الجوهر وجوده ، لاستحال ذلك ما يستحيل أن يعلم الموجود من يجهله في حالة واحدة.
ومن الدليل على ذلك ، أنه إذا اتحد معلوم العلمين الحادثين ، لم يتقرر القضاء باختلافهما قياسا على العلمين بوجود الجوهر وتحيزه. وربما يطلق نفاة الأحوال ، أن الشيء يعلم من وجه ويجهل من وجه ، والتعرض للوجوه إثبات الأحوال.
ولا يستغني خائض في هذا الفنّ عن التعرّض للأحوال ؛ إما بتسميتها أحوالا ، أو وجوها ، أو صفات نفس.