صحيحة ، وهذا باطل ؛ إذ الحدّ ما يحوي آحاد محدود ، والحرف الواحد قد يكون كلاما مفيدا ، فإنك إذا أمرت من «وقى» و «وشى» قلت «ق» و «ش» ، وهذا كلام وليس بحروف وأصوات.
فإن قيل : الحرف الواحد لا ينطق به ، بل إن جرّد الأمر من هذه الأدوات وصل بهاء الاستراحة ، فقيل «قه» و «شه» ، فلم يستقلّ الحرف الواحد بنفسه ، وهذا لا ينجيهم عما أريد بهم ، فإن «ق» في درج الكلام ، ووصله كلام ، وهو حرف واحد ، وإنما غرضنا إيضاح ذلك.
ثم لا معنى للتقييد بالإفادة ، فإن من لفظ بكلمات لا تفيد ، يقال : تكلم ولم يفد ، فلا معنى للتقييد بالإفادة.
ثم نقول : الحروف أنفس الأصوات ، فلا معنى لتكررها ، والحدود يتوقى فيها التكرير الذي لا يفيد.
فإذا قالوا : الكلام أصوات مقطعة ، وحروف منتظمة ، فتقديره الكلام أصوات وأصوات ، وإذا حذفوا الحروف ، قيل لهم : الأصوات المقطعة لا تفيد لأنفسها ما لم يصطلح على نصبها أدلة ، فإن ارتضيتم ذلك واكتفيتم به لزمكم على مساقه تسمية نقرات على أوتار مصطلح عليها كلاما ، وهذا القدر كاف في تتبع حدهم.
فإن قال قائل : ما حد الكلام عندكم؟ قلنا : من أئمتنا من يمتنع من تحديد الكلام ، ونبينه بالتفصيل كما سنوضحه عند ذكرنا ماهية الكلام.
وجملة المعلومات لا تضبطها الحدود ؛ بل منها ما يحد ، ومنها ما لا يحد ؛ كما أن منها ما يعلل ، ومنها ما لا يعلل.
وقال شيخنا رحمهالله : الكلام ما أوجب لمحله كونه متكلما وهذا فيه نظر عندنا.
والأولى ، أن نقول : الكلام هو القول القائم بالنفس ، وإن رمنا تفصيلا ، فهو القول القائم بالنفس ، الذي تدل عليه العبارات وما يصطلح عليه من الإشارات.
فصل
قد أنكرت المعتزلة الكلام القائم بالنفس ، وزعموا أن الكلام : هو الأصوات المتقطعة ، والحروف المنتظمة ، ونصوا كلاما قائما بالنفس سوى العبارات الآئلة إلى الحروف والأصوات.
وربما يثبت ابن الجبائي كلام النفس ، ويسميه الخواطر ، ويزعم أن تلك الخواطر يسمعها ويدركها بحاسة السمع. وذهب الجبائي إلى أن الأصوات المتقطعة على مخارج الحروف ليست بكلام ، وإنما الكلام الحروف المقارنة للأصوات ، وهي ليست بأصوات ولكنها تسمع إذا سمعت الأصوات.