مصدودون أولا عن إثبات المعجزات ، والتوصل إلى العلم بوجوهها ، الدالة على صدق المتحدين بها ، على ما سنذكر ذلك ، إن شاء الله تعالى في المعجزات.
ثم نقول : لا يستمرّ لكم ما استمرّ لنا ؛ فإذا قلنا عند محاولة إثبات ما رمناه من تصديق الملك ، وتصدره بمنصبه في موعد معلوم ، وقد احتفّ به المختصون بخدمته ، من حاشيته ، ثم ادّعى من جملة الحاضرين مدّع أنه رسول الملك إلى من شهد وغاب ، وذلك بمرأى من الملك ومسمع ، واستشهد في هذه الحالة على إثبات الرسالة ، بأمر يصدر من الملك ، خارق للمألوف من عادته ، فأجابه الملك إلى مناه ووافق دعواه ، فيدل ذلك على تصديق الملك إياه بقوله في نفسه ، والفعل الظاهر مترجم عنه ، نازل منزلة العبارات المصطلح عليها في إفهام المعاني.
فهذه سبيلنا ، ولا يستتب ذلك للمعتزلة ، فإن المعنى بكون الباري تعالى متكلما عندهم ، أنه فاعل الكلام. وليس في ظهور الآيات ما يدلّ على أنّ الباري تعالى خلق أصواتا متقطعة في بعض الأجسام ، وهي الكلام ، وإنما ترتبط المعجزات بتصديق مظهرها ، إذا كان التصديق صفته ، وكان المصدّق متصفا به على التحقيق ، وليس ترجع من الفعل صفة حقيقية إلى الفاعل ، فلا تكون المعجزات دالة على ثبوت الكلام.
والذي يوضح غرضنا في ذلك ، أنا بينا بالبراهين أن المصدق لا يكون مصدقا لفعله التصديق ، إذ التصديق من أقسام الكلام.
وقد ذكرنا عموما بطلان مذهب من يقول : المتكلم من فعل الكلام ، وذلك يحتوي على التصديق ، فإنه من الكلام.
فإذا بطل كون الباري تعالى مصدقا للرسل بقول على مذاهب المعتزلة ، ووجه دلالة المعجزة على صدق الأنبياء ونزولها منزلة التصديق بالقول فعند ذلك يتضح بطلان وجه دلالة المعجزات على فساد عقائدهم ومتناقض قواعدهم ، وفي بطلان المعجزات انحسام السبيل المفضية بسالكها إلى إثبات القول ، وكذلك يفعل الله بكل جاحد مرتاب ، فهذه طلبة عليهم قبل الخوض في مقصود المسألة.
ومما يطالبون به أن نقول : بم تنكرون على من يزعم أنه تعالى متكلم لنفسه ، كما أنه عندكم حيّ ، عالم ، قادر لنفسه ، ويلزمون ذلك في كونه تعالى مريدا لنفسه؟ فإن قالوا : يمتنع كونه تعالى مريدا ، متكلما لنفسه ، من حيث أن الصفة الثابتة للنفس يجب أن يعم تعلقها إذا كانت متعلقة بسائر المتعلقات ، ولذلك وجب كونه عالما بكل المعلومات ، إذ كان عالما لنفسه ، وهذا الذي ذكروه دعوى عريّة. وللمطالب أن يقول : إن الرّبّ تعالى مريد لنفسه لبعض المرادات دون بعض ، وهذا بمثابة الاختصاص للإرادة الحادثة بمتعلقها.
فلو قال قائل : لم اختصت الإرادة بمتعلقها ، وهلا تعدته إلى ما عداه؟ فمن جواب المحققين