السلام ، وعنوا بكلام الله كلاما فعله ؛ ونحن نقول : الكلام الذي فعله معجزة للرسول عليهالسلام ؛ فلم يبق لهم اختصاص في المعنى ، واضمحلّ جميع ما موهوا به.
ومما يشغبون به ويستذلّون به العوام ، أن قالوا قوله تعالى : (فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ) [سورة طه : ١٢] كلام الله تعالى ، وتقدير الاتصاف به في الأزل قبل خلق موسى عليهالسلام هجر وخلف من الكلام. والوجه إذا تمسكوا بذلك ، أن يقال لهم : «اخلع نعليك» في إجماع المسلمين كلام الله تعالى في دهرنا ، وموسى غير مخاطب الآن ، فإن لم يبعد ذلك متأخرا لم يبعد متقدما.
ثم التحقيق في ذلك أن المخالفين قدروا الكلام حروفا وأصواتا ، وبنوا على ما اعتقدوه استحالة مخاطبة المعدوم بحروف تتوالى ، وليس الأمر على ما قدروه. فإن الكلام عند أهل الحق معنى قائم بالنفس ليس بحرف ولا صوت ، والكلام الأزلي يتعلق بجميع متعلقات الكلام على اتحاده ، وهو أمر بالمأمورات ، نهى عن المنهيات ، خبر عن المخبرات ، ثم يتعلق بالمتعلقات المتجددات ولا يتجدد في نفسه.
وسبيله فيما قررناه سبيل العلم الأزلي ، فإنه كان في الأزل متعلقا بالقديم وصفاته وعدم العالم وأنه سيكون فيما لا يزال ، ولما حدث العالم تعلق العلم الأزلي بوقوع حدوثه ولم يتجدد في نفسه.
وكذلك الكلام الأزلي كان على تقدير خطاب موسى إذا وجد ، فلما وجد كان خطابا له تحقيقا ، والمتجدد موسى دون الكلام.
وربما يقولون : إنما يتكلم بالرد والقبول على المذهب المعقول ، والذي أثبتموه قائما بالنفس غير معقول فنتكلم عليه. والوجه إذا سلكوا هذا المسلك ، أن نقول : من أمر عبده وجد في نفسه اقتضاء الطاعة منه ودعاءه إلى الامتثال ، ومنكر ذلك جاحد للضرورة ؛ فهذا الذي قضت به العقول هو الكلام القائم بالنفس عندنا ، وهو مفهوم معلوم. فإن هم صرفوا الاقتضاء إلى مصرف آخر سوى ما ادعيناه ، كان ذلك خبطا منهم في الجدال ، وقد قدمنا في أدلتنا ما يوضح صرف الاقتضاء إلى ما رمينا إليه. وفيما أبديناه الآن ردع لتشغيبهم بدعوى الجهالة.
فصل
ذهبت الحشوية المنتمون إلى الظاهر إلى أن كلام الله تعالى قديم أزلي ، ثم زعموا أنه حروف وأصوات ، وقطعوا بأن المسموع من أصوات القراء ونغماتهم عين كلام الله تعالى ، وأطلق الرعاع منهم القول بأن المسموع صوت الله تعالى ، وهذا قياس جهالاتهم.
ثم قالوا : إذا كتب كلام الله تعالى بجسم من الأجسام ، وانتظمت تلك الأجسام رسوما ورقوما ، وأسطرا وكلاما ، فهي بأعيانها كلام الله تعالى القديم ، وقد كان إذ ذاك جسما حادثا ، ثم انقلب قديما.
وقضوا بأن المرئي من الأسطر الكلام القديم ، الذي هو حرف وصوت.