ثم المقروء لا يحل القارى ولا يقوم به ، وسبيل القراءة والمقروء كسبيل الذكر والمذكور.
والذكر يرجع إلى أقوال الذاكرين ، والرّبّ المذكور المسبّح الممجّد ، غير الذكر والتسبيح والتمجيد.
والعرب وضعت أنواع الدلالات على المدلولات بالعبارات ؛ فسمت الإنباء عن الشعر إنشادا ، والإنباء عن الغائبات التي ليست من قبيل الكلام ذكرا ، وسمت الدلالة على كلام الله تعالى بالأصوات قراءة.
فصل
كلام الله تعالى مكتوب في المصاحف ، محفوظ في الصدور ، وليس حالّا في مصحف ، ولا قائما بقلب. والكتابة قد يعبر بها عن حركات الكاتب ، وقد يعبر بها عن الحروف المرسومة ، والأسطر المرقومة ، وكلها حوادث.
ومدلول الخطوط ، والمفهوم منها الكلام القديم ، وهذا بمثابة إطلاق القول بأن كلام الله تعالى مكتوب في المصاحف ، وليس المعنيّ بذلك اتصاله بالأجسام وقيامه بالأجرام.
ولم يصر أحد من المنتمين إلى التحقيق إلى قيام الكلام بمحل الأسطر ، إلا الجبائي فيما حكينا من هذيانه. ويؤثر عن النجار أن الرقوم هي أجسام كلام الله تعالى ، والكلام أصوات عند القراءة ، وأجسام عند الكتابة. وكل ذلك خبط وتخليط في بغية الحق ، وتفريط في درك الصدق.
فصل
كلام الله تعالى مسموع في إطلاق المسلمين ، والشاهد لذلك من كتاب الله تعالى قوله تعالى : (وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللهِ) [سورة التوبة : ٦].
ثم السماع لفظة محتملة ، لا يتحد معناها ، ولا ينفرد مقتضاها ؛ فقد يراد بها الإدراك ، وقد يراد بها الفهم والإحاطة ، وقد يراد بها الطاعة والانقياد ، وقد يراد بها الإجابة.
فأما السمع بمعنى الإدراك فمشهور لا خفاء به ؛ وأما السمع بمعنى الفهم والعلم فشائع مذكور غير منكور.
ووصف الله تعالى المعاندين من الكفرة بكونهم صما ؛ وليس المراد اختلال حواسهم ، ولكن المراد إعراضهم عن درك المعاني ، والإحاطة بما أنذروا به ، وتدبر آيات الله تعالى.
وإذا حكى الحاكي كلام غيره على وجهه ، فقد يقول السامع لأصوات المبلغ : قد سمعت كلام فلان ، وهو يعني الغائب الذي أنهى إليه معنى كلامه.