والذي يجب القطع به ، أن المسموع المدرك في وقتنا الأصوات ؛ فإذا سمي كلام الله تعالى مسموعا ، فالمعنيّ به كونه مفهوما معلوما ، عن أصوات مدركة ومسموعة. والشاهد لذلك من القضايا الشرعية إجماع الأمة على أن الربّ تعالى خصص موسى ، وغيره من المصطفين من الإنس والملائكة ، بأن أسمعهم كلامه العزيز من غير واسطة.
فلو كان السامع لقراءة القارئ مدركا لنفس كلام الله تعالى ، لما كان موسى صلوات الله عليه مخصصا بالتكليم ، وإدراك كلام الله من غير تبليغ مبلغ وإنهاء مرسل.
فصل
كلام الله تعالى منزّل على الأنبياء ، وقد دلّ على ذلك ، آي كثيرة من الكتاب الله تعالى.
ثم ليس المعنى بالإنزال حط شيء من علوّ إلى سفل ؛ فإن الإنزال بمعنى الانتقال ، يتخصص بالأجسام والأجرام.
ومن اعتقد قدم كلام الله تعالى ، وقيامه بنفس الباري سبحانه وتعالى ، واستحالة مزايلته للموصوف به ، فلا يستريب في إحالة الانتقال عليه.
ومن اعتقد حدث الكلام ، وصار إلى أنه عرض من الأعراض ، فلا يسوغ على معتقده أيضا تقدير الانتقال ، إذ العرض لا يزول ولا ينتقل.
فالمعنيّ بالإنزال ، أن جبريل صلوات الله عليه أدرك كلام الله تعالى وهو في مقامه فوق سبع سماوات ، ثم نزل إلى الأرض ، فأفهم الرسول صلىاللهعليهوسلم ما فهمه عند سدرة المنتهى من غير نقل لذات الكلام.
وإذا قال القائل : نزلت رسالة الملك إلى القصر ، لم يرد بذلك انتقال أصواته ، أو انتقال كلامه القائم بنفسه.
فصل
كلام الله تعالى واحد ، وهو متعلق بجميع متعلقاته ، وكذلك القول في سائر صفاته. وهو العالم بجميع المعلومات بعلم واحد ، والقادر على جميع المقدورات بقدرة واحدة. وكذلك القول في الحياة والسمع والبصر والإرادة.
والقضاء باتحاد الصفات ليس من مدارك العقول ، بل هو مسند إلى قضية الشرع وموجب السمع. وذلك أن إثبات العلم واحد مختلف فيه ، وإنما يتوصل إلى إثباته على منكريه بالأدلة العقلية ، وهذا في العلم الواحد. فأما تقدير علم ثان ، فلم يثبته أحد من أهل الكلام المنتمين إلى الإسلام ، فنفيه مجمع عليه مع اتصافه بالقدم.