ثم قد يرد الاسم ، والمراد به التسمية ، وقد ترد الصفة ، والمراد بها الوصف ، ولا يبلغ الكلام في ذلك مبلغ القطع.
وذهبت المعتزلة إلى التسوية بين الاسم والتسمية ، والوصف والصفة ، والتزموا على ذلك بدعة شنعاء ، فقالوا : لو لم تكن للباري في الأزل صفة ولا اسم ، فإن الاسم والصفة أقوال المسمين والواصفين ، ولم يكن في الأزل قول عندهم ومن زعم أنه لم يكن لربه تعالى في أزله صفة الألوهية ، فقد فارق الدين ، وراغم إجماع المسلمين.
ثم الدليل على أن الاسم يفارق التسمية ، ويراد به المسمى ، آي من كتاب الله تعالى ؛ منها قوله تعالى : (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى) سورة الأعلى : ١ ، وانما المسبح وجود الباري تعالى دون ألفاظ الذاكرين وقال عزوجل : (تَبارَكَ اسْمُ رَبِّكَ) [سورة الرحمن : ٧٨] ؛ وقال تعالى : (ما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْماءً سَمَّيْتُمُوها أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ) [سورة يوسف : ٤٠].
ومعلوم أن عبدة الأصنام ما عبدوا اللفظ والكلام ، وإنما عبدوا المسميات لا التسميات.
فإن قيل : أطلق المسلمون القول بأن لله تعالى تسعة وتسعين اسما ؛ فلو كان الاسم هو المسمى ، لكان ذلك حكما بتعدد الآلهة.
ولنا في جواب ذلك مسلكان :
أحدهما ، أن نقول قد يراد بالاسم التسمية ، وهذا مما لا ننكره ، فيحمل الإطلاق في الأسماء على المسميات.
والوجه الثاني ، أن كل اسم دل على فعل فهو اسم ، فالأسماء هي الأفعال ، وهي متعدّدة ؛ وما دلّ على الصفات القديمة ، لم يبعد فيه التعدد ؛ وما دل على الصفات النفسية ، وهي الأحوال فلا يبعد أيضا تعددها.
فصل
ما ورد الشرع بإطلاقه في أسماء الله تعالى وصفاته أطلقناه ؛ وما منع الشرع من إطلاقه ، منعناه ، وما لم يرد فيه إذن ولا منع لم نقض فيه بتحليل ولا تحريم ؛ فإن الأحكام الشرعية تتلقى من موارد السمع ؛ ولو قضينا بتحليل أو تحريم من غير شرع ، لكنا مثبتين حكما دون السمع.
ثم لا نشترط في جواز الإطلاق ، ورود ما يقطع به في الشرع ، ولكن ما يقتضي العمل ـ وإن لم يوجب العلم ـ فهو كاف. غير أن الأقيسة الشرعية من مقتضيات العمل ، ولا يجوز التمسك بها في تسمية الرب ووصفه ، فاعلم.