٨] أي لا يحملنكم بغض قوم على ترك العدل فإن العدل واجب على كل أحد في كل أحد في كل حال ، وقال بعض السلف : ما عاملت من عصى الله فيك بمثل أن تطيع الله فيه. والعدل به قامت السموات والأرض.
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا سهل بن عفان ، حدثنا عبد الله بن جعفر ، عن زيد بن أسلم قال : كان رسول الله صلىاللهعليهوسلم بالحديبية وأصحابه حين صدهم المشركون عن البيت وقد اشتد ذلك عليهم فمر بهم أناس من المشركين من أهل المشرق يريدون العمرة فقال أصحاب النبيصلىاللهعليهوسلم : نصد هؤلاء كما صدنا أصحابهم فأنزل الله هذه الآية ، والشنآن هو البغض قاله ابن عباس وغيره وهو مصدر من شنأته أشنؤه شنآنا بالتحريك ، مثل قولهم جمزان ودرجان ورقلان من جمز ودرج ورقل ، وقال ابن جرير (١) : من العرب من يسقط التحريك في شنآن فيقول شنان ولم أعلم أحدا قرأ بها. ومنه قول الشاعر : [الطويل]
وما العيش إلا ما تحب وتشتهي |
|
وإن لام فيه ذو الشّنان وفنّدا (٢) |
وقوله تعالى : (وَتَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوى وَلا تَعاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ) يأمر تعالى عباده المؤمنين بالمعاونة على فعل الخيرات وهو البر ، وترك المنكرات وهو التقوى وينهاهم عن التناصر على الباطل والتعاون على المآثم والمحارم ، قال ابن جرير (٣) : الإثم ترك ما أمر الله بفعله والعدوان مجاوزة ما حد الله لكم في دينكم ومجاوزة ما فرض الله عليكم في أنفسكم وفي غيركم ، وقد قال الإمام أحمد (٤) : حدثنا هشيم ، حدثنا عبيد الله بن أبي بكر بن أنس عن جده أنس بن مالك قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم «انصر أخاك ظالما أو مظلوما» قيل : يا رسول الله هذا نصرته مظلوما فكيف أنصره إذا كان ظالما؟ قال «تحجزه وتمنعه من الظلم فذاك نصره» انفرد به البخاري من حديث هشيم به نحوه ، وأخرجاه من طريق ثابت عن أنس قال : قال رسول اللهصلىاللهعليهوسلم «انصر أخاك ظالما أو مظلوما» قيل : يا رسول الله هذا نصرته مظلوما ، فكيف أنصره ظالما؟ قال «تمنعه من الظلم فذلك نصرك إياه».
وقال أحمد (٥) : حدثنا يزيد ، حدثنا سفيان بن سعيد ، عن الأعمش ، عن يحيى بن وثاب ، عن رجل من أصحاب النبي صلىاللهعليهوسلم قال «المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أعظم أجرا
__________________
(١) تفسير الطبري ٤ / ٤٠٤.
(٢) البيت للأحوص في ديوانه ص ٩٩ ، ولسان العرب (شنأ وشنن) ومجمل اللغة ٣ / ١٥٠ وطبقات فحول الشعراء ص ٦٦٤ والشعر والشعراء ص ٥٢٦.
(٣) تفسير الطبري ٤ / ٤٠٥.
(٤) مسند أحمد ٣ / ٩٩.
(٥) مسند أحمد ٣ / ٣٦٥.