عَنْ سَبِيلِ اللهِ) [الأنعام : ١١٦] الآية.
وقال محمد بن إسحاق (١) حدثني محمد بن أبي محمد مولى زيد بن ثابت ، حدثني سعيد بن جبير أو عكرمة. عن ابن عباس قال : قال كعب بن أسد وابن صلوبا وعبد الله بن صوريا (٢) وشاس بن قيس ، بعضهم لبعض : اذهبوا بنا إلى محمد لعلنا نفتنه عن دينه ، فأتوه فقالوا : يا محمد إنك قد عرفت أنا أحبار يهود ، وأشرافهم ، وساداتهم ، وإنا إن اتبعناك اتبعنا يهود ولم يخالفونا ، وإن بيننا وبين قومنا خصومة فنحاكمهم إليك ، فتقضي لنا عليهم ، ونؤمن لك ونصدقك ، فأبى ذلك رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فأنزل الله عزوجل فيهم (وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ ما أَنْزَلَ اللهُ إِلَيْكَ) إلى قوله (لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ) ، رواه ابن جرير وابن أبي حاتم.
وقوله تعالى : (أَفَحُكْمَ الْجاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ) ينكر تعالى على من خرج عن حكم الله المحكم المشتمل على كل خير ، الناهي عن كل شر وعدل إلى ما سواه من الآراء والأهواء والاصطلاحات التي وضعها الرجال بلا مستند من شريعة الله ، كما كان أهل الجاهلية يحكمون به من الضلالات والجهالات مما يضعونها بآرائهم وأهوائهم ، وكما يحكم به التتار من السياسات الملكية المأخوذة عن ملكهم جنكزخان الذي وضع لهم الياسق (٣) ، وهو عبارة عن كتاب مجموع من أحكام قد اقتبسها من شرائع شتى : من اليهودية والنصرانية والملة الإسلامية وغيرها ، وفيها كثير من الأحكام أخذها من مجرد نظره وهواه ، فصارت في بينه شرعا متبعا يقدمونه على الحكم بكتاب الله وسنة رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فمن فعل ذلك منهم فهو كافر يجب قتاله حتى يرجع إلى حكم الله ورسوله ، فلا يحكم سواه في قليل ولا كثير ، قال تعالى : (أَفَحُكْمَ الْجاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ) أي يبتغون ويريدون ، وعن حكم الله يعدلون ، (وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ) أي ومن أعدل من الله في حكمه لمن عقل عن الله شرعه ، وآمن به ، وأيقن وعلم أن الله أحكم الحاكمين ، وأرحم بخلقه من الوالدة بولدها ، فإنه تعالى هو العالم بكل شيء ، القادر على كل شيء ، العادل في كل شيء.
__________________
(١) سيرة ابن هشام ١ / ٥٦٧ وتفسير الطبري ٤ / ٦١٤.
(٢) سقط من في رواية الطبري.
(٣) وتسمى أيضا «الياسة». وهي كلمة مفعولية تعني السياسة. قال القلقشندي : وهي قوانين خمنها جنكرخان من عقله وقررها من ذهنه ، رتب فيها أحكاما وحدد فيها حدودا بما وافق القليل منها الشريعة المحمدية وأكثرها فحالف لذلك سماها الياسة الكبرى. وقد اكتتبها وأمر أن تجعل في خزانته تتوارت عنه في أعقابه وأن يتعلمها صغار أهل بيته (صبح الأعشى ٤ / ٣١٤). وذكر القلقشندي شيئا في أحكام الياسة. ويشار إلى أن هولاكو وخلفاءه كانوا يميلون في بداية الأمر إلى البوذية ، ولكن هؤلاء الخلفاء بعد ولاية غازان سنة ٦٩٠ ه دخلوا في الإسلام وتراوح المذهب الذي يجاهرون به بين السنية والشيعية (انظر دائرة المعارف الإسلامية ١٢ / ٣٩٨)