سوداء فقال لها رسول الله صلىاللهعليهوسلم «أين الله؟». قالت : في السماء. قال «من أنا؟» قالت : رسول الله. قال «أعتقها فإنها مؤمنة» الحديث بطوله. فهذه خصال ثلاث في كفارة اليمين ، أيها فعل الحانث أجزأ عنه بالإجماع ، وقد بدأ بالأسهل ، فالأسهل فالإطعام أسهل وأيسر من الكسوة ، كما أن الكسوة أيسر من العتق ، فترقى فيها من الأدنى إلى الأعلى ، فإن لم يقدر المكلف على واحدة من هذه الخصال الثلاث كفر بصيام ثلاثة أيام ، كما قال تعالى : (فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ).
وروى ابن جرير عن سعيد بن جبير والحسن البصري ، أنهما قالا : من وجد ثلاثة دراهم لزمه الإطعام وإلا صام ، وقال ابن جرير حاكيا عن بعض متأخري متفقهة زمانه أنه جائز لمن لم يكن له فضل عن رأس مال يتصرف فيه لمعاشه ، ومن الفضل عن ذلك ما يكفر به عن يمينه ، ثم اختار ابن جرير أنه الذي لا يفضل عن قوته وقوت عياله في يومه ذلك ما يخرج به كفارة اليمين(١).
واختلف العلماء : هل يجب فيها التتابع أو يستحب ولا يجب ، ويجزئ التفريق؟ قولان : أحدهما لا يجب وهذا منصوص الشافعي في كتاب الأيمان ، وهو قول مالك لإطلاق قوله (فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ) وهو صادق على المجموعة والمفرقة ، كما في قضاء رمضان لقوله (فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ) ونص الشافعي في موضع آخر في الأم على وجوب التتابع ، كما هو قول الحنفية والحنابلة ، لأنه قد روي عن أبي بن كعب وغيره أنهم كانوا يقرءونها «فصيام ثلاثة أيام متتابعات». قال أبو جعفر الرازي ، عن الربيع ، عن أبي العالية عن أبي بن كعب أنه كان يقرؤها «فصيام ثلاثة أيام متتابعات» وحكاها مجاهد والشعبي وأبو إسحاق عن عبد الله بن مسعود ، وقال إبراهيم في قراءة أصحاب عبد الله بن مسعود «فصيام ثلاثة أيام متتابعات». وقال الأعمش كان أصحاب ابن مسعود يقرءونها كذلك ، وهذه إذا لم يثبت كونها قرآنا متواترا ، فلا أقل أن يكون خبرا واحدا أو تفسيرا من الصحابة وهو في حكم المرفوع.
وقال أبو بكر بن مردويه : حدثنا محمد بن علي ، حدثنا محمد بن جعفر الأشعري ، حدثنا الهيثم بن خالد القرشي ، حدثنا يزيد بن قيس عن إسماعيل بن يحيى ، عن ابن جريج ، عن ابن عباس قال : لما نزلت آية الكفارات قال حذيفة : يا رسول الله نحن بالخيار؟ قال «أنت بالخيار إن شئت أعتقت ، وإن شئت كسوت ، وإن شئت أطعمت ، فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام متتابعات» وهذا حديث غريب جدا.
وقوله (ذلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمانِكُمْ إِذا حَلَفْتُمْ) أي هذه كفارة اليمين الشرعية (وَاحْفَظُوا أَيْمانَكُمْ). قال ابن جرير (٢) : معناه لا تتركوها بغير تكفير (كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ آياتِهِ) أي
__________________
(١) تفسير الطبري ٥ / ٣٠ ـ ٣٢.
(٢) تفسير الطبري ٥ / ٣٢ ـ ٣٣.