وروى هشيم هذه القصة عن عبد الملك بن عمير ، عن قبيصة بنحوه. ورواها أيضا عن حصين ، عن الشعبي ، عن قبيصة بنحوه. وذكرها مرسلة عن عمر بن بكر بن عبد الله المزني ومحمد بن سيرين بنحوه.
وقال ابن جرير (١) : حدثنا ابن بشار ، حدثنا عبد الرحمن ، حدثنا شعبة عن منصور ، عن أبي وائل ، أخبرني ابن جرير البجلي ، قال أصبت ظبيا وأنا محرم ، فذكرت ذلك لعمر ، فقال : ائت رجلين من إخوانك فليحكما عليك ، فأتيت عبد الرحمن وسعدا فحكما علي بتيس أعفر. وقال ابن جرير : حدثنا ابن وكيع ، حدثنا ابن عيينة عن مخارق ، عن طارق ، قال : أوطأ أربد ظبيا فقتله وهو محرم ، فأتى عمر ليحكم عليه ، فقال له عمر : احكم معي ، فحكما فيه جديا قد جمع الماء والشجر ، ثم قال عمر (يَحْكُمُ بِهِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ) ، وفي هذا دلالة على جواز كون القاتل احد الحكمين ، كما قاله الشافعي وأحمد رحمهماالله.
واختلفوا : هل تستأنف الحكومة في كل ما يصيبه المحرم ، فيجب أن يحكم فيه ذوا عدل ، وإن كان قد حكم في مثله الصحابة أو يكتفي بأحكام الصحابة المتقدمة؟ على قولين ، فقال الشافعي وأحمد : يتبع في ذلك ما حكمت به الصحابة ، وجعلاه شرعا مقررا لا يعدل عنه ، وما لم يحكم فيه الصحابة يرجع فيه إلى عدلين. وقال مالك وأبو حنيفة : بل يجب الحكم في كل فرد فرد سواء وجد للصحابة في مثله حكم أم لا ، لقوله تعالى : (يَحْكُمُ بِهِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ).
وقوله تعالى : (هَدْياً بالِغَ الْكَعْبَةِ) أي واصلا إلى الكعبة ، والمراد وصوله إلى الحرم بأن يذبح هناك ويفرق لحمه على مساكين الحرم ، وهذا أمر متفق عليه في هذه الصورة. وقوله (أَوْ كَفَّارَةٌ طَعامُ مَساكِينَ أَوْ عَدْلُ ذلِكَ صِياماً) أي إذا لم يجد المحرم مثل ما قتل من النعم ، أو لم يكن الصيد المقتول من ذوات الأمثال ، أو قلنا بالتخيير في هذا المقام بين الجزاء والإطعام والصيام ، كما هو قول مالك وأبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد بن الحسن ، وأحد قولي الشافعي ، والمشهور عن أحمد ، رحمهمالله ، لظاهر «أو» بأنها للتخيير ، والقول الآخر أنها على الترتيب ، فصورة ذلك أن يعدل إلى القيمة ، فيقوم الصيد المقتول عند مالك وأبي حنيفة وأصحابه وحماد وإبراهيم. وقال الشافعي : يقوم مثله من النعم لو كان موجودا ، ثم يشترى به طعام فيتصدق به فيصرف لكل مسكين مد منه ، عند الشافعي ومالك وفقهاء الحجاز ، واختاره ابن جرير ، وقال أبو حنيفة وأصحابه : يطعم كل مسكين مدين ، وهو قول مجاهد. وقال أحمد : مد من حنطة أو مدان من غيره ، فإن لم يجد أو قلنا بالتخيير ، صام عن إطعام كل مسكين يوما. وقال ابن جرير : وقال آخرون : يصوم مكان كل صاع يوما كما في جزاء المترفه بالحلق ونحوه ، فإن الشارع أمر كعب بن عجرة أن يقسم فرقا بين ستة ، أو يصوم ثلاثة أيام ،
__________________
(١) تفسير الطبري ٥ / ٥٠.