(فَآخَرانِ يَقُومانِ مَقامَهُما مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْأَوْلَيانِ) هذه قراءة الجمهور (١) (اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْأَوْلَيانِ) وروي عن علي وأبي الحسن البصري أنهم قرءوها (اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْأَوْلَيانِ) (٢) وروى الحاكم في المستدرك من طريق إسحاق بن محمد الفروي عن سليمان بن بلال عن جعفر بن محمد ، عن أبيه ، عن عبيد الله بن أبي رافع ، عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن النبي صلىاللهعليهوسلم قرأ (مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْأَوْلَيانِ) ، ثم قال : صحيح على شرط مسلم ، ولم يخرجاه. وقرأ بعضهم ومنهم ابن عباس من الذين استحق عليهم الأولين. وقرأ الحسن من الذين استحق عليهم الأولان حكاه ابن جرير (٣) ، فعلى قراءة الجمهور يكون المعنى بذلك أي متى تحقق ذلك بالخبر الصحيح على خيانتهما ، فليقم اثنان من الورثة المستحقين للتركة ، وليكونا من أولى من يرث ذلك المال (فَيُقْسِمانِ بِاللهِ لَشَهادَتُنا أَحَقُّ مِنْ شَهادَتِهِما) أي لقولنا أنهما خانا ، أحق وأصح وأثبت من شهادتهما المتقدمة (وَمَا اعْتَدَيْنا) أي فيما قلنا فيهما من الخيانة ، (إِنَّا إِذاً لَمِنَ الظَّالِمِينَ) أي إن كنا قد كذبنا عليهما ، وهذا التحليف للورثة والرجوع إلى قولهما والحالة هذه ، كما يحلف أولياء المقتول إذا ظهر لوث (٤) في جانب القاتل ، فيقسم المستحقون على القاتل فيدفع برمته إليهم كما هو مقرر في باب القسامة من الأحكام.
وقد وردت السنة بمثل ما دلت عليه هذه الآية الكريمة ، فقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا الحسين بن زياد ، حدثنا محمد بن سلمة عن محمد بن إسحاق ، عن أبي النضر ، عن باذان يعني أبا صالح مولى أم هانئ بنت أبي طالب ، عن ابن عباس ، عن تميم الداري في هذه الآية (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهادَةُ بَيْنِكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ) قال : برىء الناس منها غيري وغير عدي بن بداء ، وكانا نصرانيين يختلفان إلى الشام قبل الإسلام ، فأتيا الشام لتجارتهما ، وقدم عليهما مولى لبني سهم يقال له بديل بن أبي مريم بتجارة ، معه جام (٥) من فضة يريد به الملك ، وهو أعظم تجارته ، فمرض فأوصى إليهما وأمرهما أن يبلغا ما ترك أهله. قال تميم : فلما مات أخذنا ذلك الجام فبعناه بألف درهم ، واقتسمناه أنا وعدي ، فلما قدمنا إلى أهله دفعنا إليهم ما كان معنا ، وفقدوا الجام ، فسألونا عنه ، قلنا : ما ترك غير هذا وما دفع إلينا غيره. قال تميم : فلما أسلمت بعد قدوم رسول الله صلىاللهعليهوسلم المدينة ، تأثمت من ذلك ، فأتيت أهله ، فأخبرتهم
__________________
(١) أي : «استحق» بالبناء للمفعول ، بضمّ التاء. قال الطبري : فقرأ ذلك قراء الحجاز والعراق والشام.
(٢) أي بفتح التاء من «استحق». قال الطبري ورويت عن علي وأبيّ بن كعب والحسن البصري.
(٣) تفسير الطبري ٥ / ١١٩. أي بفتح التاء من «استحقّ».
(٤) اللوث : أن يشهد شاهد واحد على إقرار المقتول قبل أن يموت أن فلانا قتلني ، أو يشهد شاهدان على ذلك على عوادة بينهما.
(٥) الجام : إناء.