من المسلمين يشهده على وصيته ، فأشهد رجلين من أهل الكتاب ، قال : فقدما الكوفة ، فأتيا الأشعري يعني أبا موسى الأشعري رضي الله عنه ، فأخبراه ، وقدما الكوفة بتركته ووصيته ، فقال الأشعري : هذا أمر لم يكن بعد الذي كان على عهد رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، قال : فأحلفهما بعد العصر بالله ما خانا ، ولا كذبا ، ولا بدلا ، ولا كتما ، ولا غيرا ، وأنها لوصية الرجل وتركته. قال: فأمضى شهادتها ، ثم رواه عن عمرو بن علي الفلاس ، عن أبي داود الطيالسي ، عن شعبة ، عن مغيرة الأزرق ، عن الشعبي أن أبا موسى قضى بدقوقا ، وهذان إسنادان صحيحان إلى الشعبي ، عن أبي موسى الأشعري ، فقوله : هذا أمر لم يكن بعد الذي كان على عهد رسول الله صلىاللهعليهوسلم الظاهر ـ والله أعلم ـ أنه إنما أراد بذلك قصة تميم وعدي بن بداء ، وقد ذكروا أن إسلام تميم بن أوس الداري رضي الله عنه ، كان سنة تسع من الهجرة ، فعلى هذا يكون هذا الحكم متأخرا يحتاج مدعي نسخه إلى دليل فاصل في هذا المقام ، والله أعلم.
وقال أسباط عن السدي في الآية (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهادَةُ بَيْنِكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنانِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ) قال : هذا في الوصية عند الموت ، يوصي ويشهد رجلين من المسلمين على ماله وما عليه ، قال : هذا في الحضر (أَوْ آخَرانِ مِنْ غَيْرِكُمْ) في السفر (إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَأَصابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ) هذا الرجل يدركه الموت في سفره ، وليس بحضرته أحد من المسلمين ، فيدعو رجلين من اليهود والنصارى والمجوس ، فيوصي إليهما ويدفع إليهما ميراثه ، فيقبلان به ، فإن رضي أهل الميت الوصية وعرفوا ما لصاحبهم ، تركوهما ، وإن ارتابوا ، رفعوهما إلى السلطان ، فذلك قوله تعالى : (تَحْبِسُونَهُما مِنْ بَعْدِ الصَّلاةِ فَيُقْسِمانِ بِاللهِ إِنِ ارْتَبْتُمْ) قال عبد الله بن عباس رضي الله عنه : كأني أنظر إلى العلجين حتى انتهى بهما إلى أبي موسى الأشعري في داره ، ففتح الصحيفة ، فأنكر أهل الميت وخوفوهما ، فأراد أبو موسى أن يستحلفهما بعد العصر ، فقلت : إنهما لا يباليان صلاة العصر ، ولكن استحلفهما بعد صلاتهما في دينهما ، فيوقف الرجلان بعد صلاتهما في دينهما فيحلفان بالله لا نشتري به ثمنا ولو كان ذا قربى ، ولا نكتم شهادة الله إنا إذا لمن الآثمين ، أن صاحبهم بهذا أوصى ، وأن هذه لتركته ، فيقول لهما الإمام قبل أن يحلفا : إنكما إن كتمتما أو خنتما فضحتكما في قومكما ، ولم تجز لكما شهادة وعاقبتكما ، فإذا قال لهما ذلك ف (ذلِكَ أَدْنى أَنْ يَأْتُوا بِالشَّهادَةِ عَلى وَجْهِها) رواه ابن جرير.
وقال ابن جرير (١) : حدثنا القاسم ، حدثنا الحسين ، حدثنا هشيم ، أخبرنا مغيرة عن إبراهيم وسعيد بن جبير أنهما قالا في هذه الآية (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهادَةُ بَيْنِكُمْ) الآية ، قالا : إذا حضر الرجل الوفاة في سفر فليشهد رجلين من المسلمين ، فإن لم يجد رجلين من المسلمين
__________________
(١) تفسير الطبري ٥ / ١١١.