وكلمته ، أمن طعام الدنيا هذا ، أم من طعام الجنة؟ فقال عيسى : أما آن لكم أن تعتبروا بما ترون من الآيات وتنتهوا عن تنقير المسائل؟ ما أخوفني عليكم أن تعاقبوا في سبب نزول هذه الآية؟ فقال له شمعون : لا وإله إسرائيل ما أردت بها سؤالا يا ابن الصديقة ، فقال عيسى عليهالسلام : ليس شيء مما ترون من طعام الدنيا ولا من طعام الجنة ، إنما هو شيء ابتدعه الله في الهواء بالقدرة الغالبة القاهرة ، فقال له : كن فكان أسرع من طرفة عين ، فكلوا مما سألتم باسم الله واحمدوا عليه ربكم ، يمدكم منه ويزدكم ، فإنه بديع قادر شاكر ، فقالوا : يا روح الله وكلمته ، إنا نحب ان يرينا الله آية في هذه الآية ، فقال عيسى : سبحان الله أما اكتفيتم بما رأيتم من هذه الآية حتى تسألوا فيها آية أخرى؟ ثم أقبل عيسى عليهالسلام على السمكة ، فقال : يا سمكة عودي بإذن الله حية كما كنت ، فأحياها الله بقدرته ، فاضطربت وعادت بإذن الله حية طرية ، تلمظ كما يتلمظ الأسد ، تدور عيناها ، لها بصيص ، وعادت عليها بواسيرها ، ففزع القوم منها وانحازوا ، فلما رأى عيسى منهم ذلك قال : ما لكم تسألون الآية فإذا أراكموها ربكم كرهتموها؟ ما أخوفني عليكم أن تعاقبوا بما تصنعون ، يا سمكة عودي بإذن الله كما كنت ، فعادت بإذن الله مشوية كما كانت في خلقها الأول ، فقالوا : يا عيسى كن أنت يا روح الله الذي تبدأ بالأكل منها ثم نحن بعد ، فقال عيسى : معاذ الله من ذلك ، يبدأ بالأكل من طلبها ، فلما رأى الحواريون وأصحابه امتناع عيسى منها ، خافوا أن يكون نزولها سخطة وفي أكلها مثلة ، فتحاموها ، فلما رأى ذلك عيسى منهم دعا لها الفقراء والزمنى وقال : كلوا من رزق ربكم ودعوة نبيكم ، واحمدوا الله الذي أنزلها لكم فيكون مهنؤها لكم وعقوبتها على غيركم ، وافتتحوا أكلكم باسم الله واختتموه بحمد الله ، ففعلوا فأكل منها ألف وثلاثمائة إنسان بين رجل وامرأة ، يصدرون عنها كل واحد منهم شبعان يتجشأ ، ونظر عيسى والحواريون فإذا ما عليها كهيئته إذ نزلت من السماء لم ينقص منها شيء ، ثم إنها رفعت إلى السماء وهم ينظرون ، فاستغنى كل فقير أكل منها ، وبرىء كل زمن أكل منها ، فلم يزالوا أغنياء أصحاء حتى خرجوا من الدنيا ، وندم الحواريون وأصحابهم الذين أبوا أن يأكلوا منها ندامة سالت منها أشفارهم ، وبقيت حسرتها في قلوبهم إلى يوم الممات ، قال : وكانت المائدة إذا نزلت بعد ذلك أقبل بنو إسرائيل إليها يسعون من كل مكان يزاحم بعضهم بعضا ، الأغنياء والفقراء ، والصغار والكبار ، والأصحاء والمرضى ، يركب بعضهم بعضا ، فلما رأى ذلك جعلها نوبا بينهم تنزل يوما ولا تنزل يوما ، فلبثوا على ذلك أربعين يوما تنزل عليهم غبا عند ارتفاع الضحى ، فلا تزال موضوعة يؤكل منها حتى إذا قاموا ، ارتفعت عنهم إلى جو السماء بإذن الله ، وهم ينظرون إلى ظلها في الأرض حتى تتوارى عنهم. قال : فأوحى الله إلى نبيه عيسى عليهالسلام : أن اجعل رزقي في المائدة للفقراء واليتامى ، والزمنى دون الأغنياء من الناس ، وغمطوا ذلك حتى شكوا فيها في أنفسهم ، وشككوا فيها الناس ، وأذاعوا في أمرها القبيح والمنكر ، وأدرك الشيطان