فإذا فرغ الله من ذلك ، نادى مناد يسمع الخلائق كلهم : ألا ليلحق كل قوم بآلهتهم وما كانوا يعبدون من دون الله فلا يبقى أحد عبد من دون الله ، إلا مثلت له آلهته بين يديه ، ويجعل يومئذ ملك من الملائكة على صورة عزير ، ويجعل ملك من الملائكة على صورة عيسى ابن مريم. ثم يتبع هذا اليهود وهذا النصارى ، ثم قادتهم آلهتهم إلى النار ، وهو الذي يقول (لَوْ كانَ هؤُلاءِ آلِهَةً ما وَرَدُوها وَكُلٌّ فِيها خالِدُونَ) [الأنبياء : ٩٩] فإذا لم يبق إلا المؤمنون ، فيهم المنافقون ، جاءهم الله فيما شاء من هيئته فقال : يا أيها الناس ، ذهب الناس فالحقوا بآلهتكم وما كنتم تعبدون ، فيقولون : والله ما لنا إله إلا الله ، وما كنا نعبد غيره ، فينصرف عنهم ، وهو الله الذي يأتيهم ، فيمكث ما شاء الله أن يمكث ثم يأتيهم ، فيقول : يا أيها الناس ذهب الناس فالحقوا بآلهتكم وما كنتم تعبدون. فيقولون : والله ما لنا إله إلا الله ، وما كنا نعبد غيره ، فيكشف لهم عن ساقه ، ويتجلى لهم من عظمته ، ما يعرفون أنه ربهم فيخرون للأذقان سجدا على وجوههم ، ويخر كل منافق على قفاه ، ويجعل الله أصلابهم كصياصي (١) البقر ، ثم يأذن الله لهم فيرفعون ويضرب الله الصراط بين ظهراني جهنم ، كحد الشفرة أو كحد السيف ، عليه كلاليب وخطاطيف وحسك كحسك السعدان (٢) ، دونه جسر دحض (٣) مزلة ، فيمرون كطرف العين أو كلمح البرق ، أو كمر الريح أو كجياد الخيل ، أو كجياد الركاب ، أو كجياد الرجال ، فناج سالم ، وناج مخدوش ومكردس (٤) على وجهه في جهنم ، فإذا أفضى أهل الجنة إلى الجنة ، قالوا : من يشفع لنا إلى ربنا فندخل الجنة؟ فيقولون : من أحق بذلك من أبيكم آدم عليهالسلام ، خلقه الله بيده ونفخ فيه من روحه وكلمه قبلا ، فيأتون آدم فيطلب ذلك إليه فيذكر ذنبا ويقول : ما أنا بصاحب ذلك ، ولكن عليكم بنوح فإنه أول رسل الله ، فيؤتى نوح فيطلب ذلك إليه فيذكر ذنبا ويقول : ما أنا بصاحب ذلك ، ويقول : عليكم بإبراهيم فإن الله اتخذه خليلا ، فيؤتى إبراهيم فيطلب ذلك إليه فيذكر ذنبا ويقول : ما أنا بصاحب ذلك ويقول : عليكم بموسى فإن الله قربه نجيا وكلمه وأنزل عليه التوراة. فيؤتى موسى فيطلب ذلك إليه ، فيذكر ذنبا ويقول : لست بصاحب ذلك ، ولكن عليكم بروح الله وكلمته عيسى ابن مريم ، فيؤتى عيسى ابن مريم فيطلب ذلك إليه ، فيقول : «ما أنا بصاحبكم ولكن عليكم بمحمد» قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم «فيأتوني ولي عند ربي ثلاث شفاعات وعدنيهن ، فأنطلق فآتي الجنة ، فآخذ بحلقة الباب فأستفتح ، فيفتح لي فأحيا ويرحب بي ، فإذا دخلت الجنة فنظرت إلى ربي خررت ساجدا ، فيأذن الله لي من تحميده وتمجيده بشيء ما أذن به لأحد من خلقه ، ثم يقول : ارفع رأسك يا محمد واشفع
__________________
(١) صياصي البقر : قرونها.
(٢) السعدان : نبات شوكي.
(٣) دحض : زلق.
(٤) المكردس : الذي جمعت يداه ورجلاه وألقي في موضع.