لا ينصرف وهو بدل من قوله لأبيه أو عطف بيان وهو أشبه وعلى قول من جعله نعتا لا ينصرف أيضا ، كأحمر وأسود ، فأما من زعم أنه منصوب ، لكونه معمولا لقوله (أَتَتَّخِذُ أَصْناماً) تقديره يا أبت أتتخذ آزر أصناما آلهة ، فإنه قول بعيد في اللغة ، فإن ما بعد حرف الاستفهام ، لا يعمل فيما قبله لأن له صدر الكلام ، كذا قرره ابن جرير (١) وغيره ، وهو مشهور في قواعد العربية ، والمقصود أن إبراهيم وعظ أباه في عبادة الأصنام ، وزجره عنها ونهاه فلم ينته ، كما قال (وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ لِأَبِيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْناماً آلِهَةً) أي أتتأله لصنم تعبده من دون الله (إِنِّي أَراكَ وَقَوْمَكَ) أي السالكين مسلكك (فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) أي تائهين لا يهتدون أين يسلكون ، بل في حيرة وجهل وأمركم في الجهالة والضلال بين واضح لكل ذي عقل سليم. وقال تعالى : (وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ إِبْراهِيمَ إِنَّهُ كانَ صِدِّيقاً نَبِيًّا إِذْ قالَ لِأَبِيهِ يا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ ما لا يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ وَلا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئاً يا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ ما لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِراطاً سَوِيًّا يا أَبَتِ لا تَعْبُدِ الشَّيْطانَ إِنَّ الشَّيْطانَ كانَ لِلرَّحْمنِ عَصِيًّا يا أَبَتِ إِنِّي أَخافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذابٌ مِنَ الرَّحْمنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطانِ وَلِيًّا قالَ أَراغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي يا إِبْراهِيمُ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا قالَ سَلامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كانَ بِي حَفِيًّا وَأَعْتَزِلُكُمْ وَما تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ وَأَدْعُوا رَبِّي عَسى أَلَّا أَكُونَ بِدُعاءِ رَبِّي شَقِيًّا) [مريم : ٤١ ـ ٤٨] فكان إبراهيم عليهالسلام ، يستغفر لأبيه مدة حياته ، فلما مات على الشرك وتبين إبراهيم ذلك ، رجع عن الاستغفار له وتبرأ منه ، كما قال تعالى : (وَما كانَ اسْتِغْفارُ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَها إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْراهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ) [التوبة : ١١٤] وثبت في الصحيح أن إبراهيم ، يلقى أباه آزر يوم القيامة ، فيقول له آزر يا بني اليوم لا أعصيك ، فيقول إبراهيم أي رب ألم تعدني أنك لا تخزني يوم يبعثون ، وأي خزي أخزى من أبي الأبعد فيقال يا إبراهيم ، انظر ما وراءك فإذا هو بذيخ متلطخ ، فيؤخذ بقوائمه فيلقى في النار.
قوله (وَكَذلِكَ نُرِي إِبْراهِيمَ مَلَكُوتَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) أي نبين له وجه الدلالة في نظره إلى خلقهما ، على وحدانية الله عزوجل ، في ملكه وخلقه ، وأنه لا إله غيره ولا رب سواه ، كقوله (قُلِ انْظُرُوا ما ذا فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) [يونس : ١٠١] وقوله (أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) [الأعراف : ١٨٥] وقال. (أَفَلَمْ يَرَوْا إِلى ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ إِنْ نَشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ نُسْقِطْ عَلَيْهِمْ كِسَفاً مِنَ السَّماءِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ) [سبأ : ٩].
وأما ما حكاه ابن جرير وغيره عن مجاهد وعطاء وسعيد بن جبير والسدي وغيرهم ، قالوا : واللفظ لمجاهد : فرجت له السموات ، فنظر إلى ما فيهن حتى انتهى بصره إلى العرش ،
__________________
(١) تفسير الطبري ٥ / ٢٤٠.