رخصة الله كان عليه من الإثم مثل جبال عرفة» (١) ولهذا قال الفقهاء : قد يكون تناول الميتة واجبا في بعض الأحيان وهو ما إذا خاف على نفسه ولم يجد غيرها ، وقد يكون مندوبا ، وقد يكون مباحا بحسب الأحوال ، واختلفوا هل يتناول منها قدر ما يسد به الرمق ، أو له أن يشبع أو يشبع ويتزود؟ على أقوال كما هو مقرر في كتاب الأحكام ، وفيما إذا وجد ميتة وطعام الغير أو صيدا وهو محرم ، هل يتناول الميتة أو ذلك الصيد ويلزمه الجزاء أو ذلك الطعام ويضمن بدله ، على قولين هما قولان للشافعي رحمهالله. وليس من شرط جواز تناول الميتة أن يمضي عليه ثلاثة أيام لا يجد طعاما كما قد يتوهمه كثير من العوام وغيرهم ، بل متى اضطر إلى ذلك جاز له.
وقد قال الإمام أحمد (٢) : حدثنا الوليد بن مسلم ، حدثنا الأوزاعي ، حدثنا حسان بن عطية عن أبي واقد الليثي ، أنهم قالوا : يا رسول الله ، إنا بأرض تصيبنا بها المخمصة ، فمتى تحل لنا بها الميتة؟ فقال «إذا لم تصطبحوا ، ولم تغتبقوا ، ولم تحتفئوا بها بقلا فشأنكم بها» (٣) تفرد به أحمد من هذا الوجه ، وهو إسناد صحيح على شرط الصحيحين ، وكذا رواه ابن جرير عن عبد الأعلى بن واصل عن محمد بن القاسم الأسدي عن الأوزاعي به ، لكن رواه بعضهم عن الأوزاعي ، عن حسان بن عطية ، عن مسلم بن يزيد ، عن أبي واقد به. ومنهم من رواه عن الأوزاعي ، عن حسان ، عن مرثد أو أبي مرثد عن أبي واقد به. ورواه ابن جرير عن هناد بن السري ، عن عيسى بن يونس ، عن حسان ، عن رجل قد سمي له فذكره ، ورواه أيضا عن هناد ، عن ابن المبارك ، عن الأوزاعي ، عن حسان مرسلا ، وقال ابن جرير (٤) : حدثنا يعقوب بن إبراهيم ، حدثنا ابن علية عن ابن عون ، قال : وجدت عند الحسن كتاب سمرة فقرأته عليه ، فكان فيه : ويجزئ من الاضطرار غبوق أو صبوح.
حدثنا (٥) أبو كريب ، حدثنا هشيم عن الخصيب بن زيد التميمي ، حدثنا الحسن : أن رجلا سأل النبي صلىاللهعليهوسلم فقال : متى (٦) يحل الحرام؟ قال : فقال «إلى متى يروى أهلك من اللبن أو تجيء ميرتهم». حدثنا ابن حميد ، حدثنا سلمة عن ابن إسحاق ، حدثني عمر بن عبد الله بن عروة ، عن جده عروة بن الزبير ، عن جدته (٧) : أن رجلا من الأعراب أتى النبي صلىاللهعليهوسلم يستفتيه في
__________________
(١) مسند أحمد ٢ / ٧١.
(٢) مسند أحمد ٥ / ٢١٨.
(٣) الاصطباح : أكل الصباح وهو الغداء. والاغتباق : أكل الغبوق وهو العشاء. واحتفأ البقل : اقتلعه ورمى به.
(٤) تفسير الطبري ٤ / ٤٢٧.
(٥) الرواية للطبري في تفسيره ٤ / ٤٢٦.
(٦) في الطبري : «إلى متى يحلّ لي الحرام؟».
(٧) في الطبري : «عمن حدثه».