الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنا مَعَ نُوحٍ وَمِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْراهِيمَ وَإِسْرائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنا وَاجْتَبَيْنا إِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُ الرَّحْمنِ خَرُّوا سُجَّداً وَبُكِيًّا) [مريم : ٥٨].
وقوله في هذه الآية الكريمة (وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ) أي وهدينا من ذريته (داوُدَ وَسُلَيْمانَ) الآية ، وعود الضمير إلى نوح ، لأنه أقرب المذكورين ظاهر لا إشكال فيه ، وهو اختيار ابن جرير(١). وعوده إلى إبراهيم ، لأنه الذي سيق الكلام من أجله حسن ، لكن يشكل عليه لوط ، فإنه ليس من ذرية إبراهيم ، بل هو ابن أخيه ماران بن آزر ، اللهم إلا أن يقال إنه دخل في الذرية تغليبا ، وكما قال في قوله (أَمْ كُنْتُمْ شُهَداءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قالَ لِبَنِيهِ ما تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي؟ قالُوا نَعْبُدُ إِلهَكَ وَإِلهَ آبائِكَ إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ إِلهاً واحِداً وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ) فإسماعيل عمه دخل في آبائه تغليبا ، وكما قال في قوله (فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ إِلَّا إِبْلِيسَ) فدخل إبليس في أمر الملائكة بالسجود ، وذم على المخالفة لأنه كان في تشبه بهم ، فعومل معاملتهم ودخل معهم تغليبا ، وإلا فهو كان من الجن وطبيعته من النار ، والملائكة من النور.
وفي ذكر عيسى عليهالسلام في ذرية إبراهيم أو نوح ، على القول الآخر ، دلالة على دخول ولد البنات في ذرية الرجل ، لأن عيسى عليهالسلام إنما ينسب إلى إبراهيم عليهالسلام ، بأمه مريم عليهاالسلام ، فإنه لا أب له.
قال ابن أبي حاتم : حدثنا سهل بن يحيى العسكري ، حدثنا عبد الرحمن بن صالح ، حدثنا علي بن عابس ، عن عبد الله بن عطاء المكي ، عن أبي حرب بن أبي الأسود ، قال : أرسل الحجاج إلى يحيى بن يعمر ، فقال : بلغني أنك تزعم أن الحسن والحسين من ذرية النبيصلىاللهعليهوسلم ، تجده في كتاب الله ـ وقد قرأته من أوله إلى آخره فلم أجده؟ قال أليس تقرأ سورة الأنعام (وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ داوُدَ وَسُلَيْمانَ) حتى بلغ (وَيَحْيى وَعِيسى) قال بلى. قال أليس عيسى من ذرية إبراهيم وليس له أب؟ قال صدقت.
فلهذا إذا أوصى الرجل لذريته ، أو وقف على ذريته ، أو وهبهم ، دخل أولاد البنات فيهم ، فأما إذا أعطى الرجل بنيه ، دخل أولاد البنات فيهم ، فأما إذا أعطى الرجل بنيه ، أو وقف عليهم ، فإنه يختص بذلك بنوه لصلبه وبنو بنيه ، واحتجوا بقول الشاعر العربي : [الطويل]
بنونا بنو أبنائنا وبناتنا |
|
بنوهن أبناء الرجال الأجانب (٢) |
__________________
(١) تفسير الطبري ٥ / ٢٥٦.
(٢) ويروى «الأباعد» في موضع «الأجانب». والبيت للفرزدق في خزانة الأدب ١ / ٤٤٤ ؛ وبلا نسبة في الإنصاف ١ / ٦٦ ؛ وأوضح المسالك ١ / ١٠٦ ؛ والحيوان ١ / ٣٤٦ ؛ وشرح ابن عقيل ص ١١٩ ؛ ومغني اللبيب ٢ / ٤٥٢ ؛ وهمع الهوامع ١ / ١٠٢.